باستطاعة المالكي تحويل المحنة الى فرصة
نديم عادل
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نديم عادل
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
العراق اليوم في محنة .. هذا امرٌ لاشك فيه، ولا احد يجادل في حقيقته، الجدال فقط في حجم وعمق هذه المحنة واسبابها وتداعياتها.
محن العراق الحديث كثيرة ومتنوعة وقد امتدت لعقود ، ابتداءً من عام 1963 حيث تآمر على العراق الحلف الثلاثي غير المقدس ، بعث امريكا والحركة الصهيوعنصرية الانفصالية البارزانية في شمال العراق والاقطاع الديني المدني وداعميهم من خلف الحدود، في اجهاض جمهورية العراق الوليدة ، ومن ثم دفع البلاد الى اتون الازمات والمحن حيث دفع الشعب العراقي لاكثر من نصف قرن الكثير من الدماء والدموع والآلام .
دكتاتورية بغيضة لم يعرف لها تاريخ البشرية مثيل .. ومن ثم حروب عبثية راح ضحيتها مئات الالاف ..ثم حصار قاتل واحتلال غاشم .. والنتيجة : انهيار تام ليس للبنى التحتية فحسب ، بل لمفهوم الدولة بالكامل، صاحبه انهيار اكثر فداحة وخطورة ، الا وهو انهيار المنظومة القيمية بالكامل بما في ذلك مفهوم المواطنة..
محن توالدت من بعضها البعض وتراكمت حتى وجدنا انفسنا امام محنة اليوم التي تكشفت لنا ابعادها في 10 حزيران، وهي الاقسى والاعمق والاكثر خطورة على مصير العراق وشعبه . فبعد 10 حزيران سقطت كل الاقنعة عن جميع الوجوه الكالحة وتبين لنا الحد الفاصل بين العراق واعداء العراق " البعث بكل مسمياته .. والقاعدة الوهابية بكل اشكالها .. والحركة الصهيوعنصرية لمسعود البارزاني وحقدها المريض على العراق وشعبه" ومن خلف كل هؤلاء محور سعودي تركي قطري شرير لاهم له في هذه الدنيا سوى تنفيذ ما تخطط له امريكا ولقيطتها اسرائيل.
امريكا التي عودتنا على نسيان اصدقائها والتخلي عنهم بسهولة ، عودتنا ايضاً على انها لن تغفر ابداً لمن يحاول التفكير ، ولو مجرد تفكير ، بالخروج عن خطها السياسي وعرقلة خططها الاستراتيجية عالمياً ، فما بلك في معاداتها..؟
امريكا هذه لن تغفر للشعب العراقي رفضه المطلق لبقاء جنودها على ارض العراق وبحصانة ، وكان الناطق الصريح بهذا الرفض السيد المالكي، في حين تشبث خصومه (الانفصالي المخضرم البرزاني والبعثي العتيق اياد علاوي وغيرهم) حتى اللحظة الاخيرة مطالبين ببقاء الاحتلال جاثماً على صدور العراقيين، وتوارى الاخرون عن المشهد كي لايحرجو انفسهم امام "ماما امريكا" وحلفائها .
امريكا هذه ومن خلفها اسرائيل والحلف السعودي التركي القطري يأسوا تماماً من جر العراق الى حلفهم البغيض في حربهم الظالمة على سوريا ، لابل اغضبهم وقوف العراق على الحياد وامتناعه عن المساهمة في ذبح الشعب السوري المظلوم ، لا بل اخافهم انجرار العراق رويداً رويداً الى النهج المعادي لهم في المنطقة ، لذلك قلبوا ظهر المجن للعراق وحكومته المنتخبة ديمقراطياً كاشفين زيف ادعائاتهم بانهم دخلوا العراق لبناء الديموقراطية فيه ..!
امريكا هذه التي زرعت في العراق بعد احتلالها له كل عوامل ضعفه وشلله " ابتدأً من الدستور المسخ الذي اسس لتقسيم العراق ، وانتهاءً بحكومات المحاصصة المقيته التي جعلت العراق كدولة ، ميت سريرياً .." كانت حتى الامس القريب مطمئنة بان العراق سيبقى تابعاً ذليلاً لها حتى امد بعيد ،قد ادركت بعد انتخابات 2014 بان العراق لديه رغبة جامحة للتحرر والانعتاق من اي تبعية وهو في طريقه للخروج من عنق الزجاجة ، فلجأت الى خططها البديلة القاضية بتقسيم البلاد ليسهل لهم ابتلاعها ، معتمدين في ذلك على عملاءهم المخلصين في ثالوث الشر (البعث بكل مسمياته .. والقاعدة الوهابية بكل اشكالها .. والحركة الصهيوعنصرية لمسعود البارزاني )..
ووقعت الواقعة .. البعث وداعش يسيطران على الموصل .. والحركة الصهيوعنصرية لمسعود البارزاني تسيطر بالمقابل على كركوك واجزاء من ديالى كي يصبح التقسيم امراً واقعاً على الارض لابديل عنه سوى عودة العراق الى بيت الطاعة الامريكي ..
محنة .. اليس كذلك ..؟
نعم هي كذلك ، وهذا هو التحدي الاكبر للسيد المالكي ولكل الخيرين في هذا البلد العريق ، واذا كان مسموح للسيد المالكي التنصل من مسؤولياته قبل 10حزيران فما عاد هذا الامر ممكناً اليوم ، خصوصا وهو يمتلك في جعبته كل عوامل تحويل هذه المحنة الى فرصة حقيقية للنهوض بالعراق مجدداً ووضعه شامخاً في المكان الذي يليق به .
احد اكبرعوامل تحويل هذه المحنة الى فرصة هو النداء الجليل للسيد الجليل المرجع الامام السيد علي السيستاني والذي استجاب له ملايين العراقيين من كل الطوائف والاثنيات للدفاع عن هذا الوطن ووحدته وكرامة ابناءه، فما على القائد الاعلى للقوات المسلحة سوى وضع برامج سريعة لاستيعاب هذه الملايين بعد اعادة تنظيم قواته المسلحة وتطهيرها من الخونة والمتخاذلين والمرتشين واصحاب الولاء ات المشبوهة .
ومن الجدير بالقول هنا ، ان في كل كارثة امر ايجابي ما يجب الالتفات له ( بمعنى ان كارثة انهيار قطعات الجيش العراقي بسبب هروب قادته الخونة وجلهم من اتباع البارزاني ، ليس نهاية الكون ، فهناك امر ايجابي ، الا وهو ، ان الجيش بدأ يطهر نفسه بنفسه مما يسهل على القيادة اعادة تطهيرة و تنظيمه .
ثاني تلك العوامل هو ان السيد المالكي نجح في تكوين كتلة برلمانية تكاد تكون عابرة للطوائف والثنيات وهي الكتلة الاكبر بعد انتخابات 2014 والتي يُعول عليها مستقبلاً ، خصوصاً وانها صاحبة برنامج سياسي وطني واضح المعالم ،
يُعول عليها بتكريس وحدة العراق ارضاً وشعب .
ثالث تلك العوامل هو ان العالم ماعاد احادي القطب تتحكم فيه وبمصير شعوبه الولايات المتحدة الامريكية منفردةً ، فهناك روسيا الصديق الوفي للشعوب المقهورة ، وهناك الصين باقتصادها الناهض وهناك بقية دول البريكس ، بما يعني ان هناك دول متمكنة علمياً واقتصادياً وعسكرياً ودوبلماسيا ويشكل سكانها اكثر من نصف سكان الارض ، قادرة وراغبة في مد يد العون والمساعدة للعراق والعراقيين بعيداً عن ابتزاز الامريكان وغيرهم ..
اخيراً، بعد 10 حزيران سقطت كل الاقنعة عن جميع الوجوه الكالحة وتبين لنا الحد الفاصل بين العراق واعداءه واصبح العراقيون مجدداً امام تحدي جديد ، وقبلوا هذا التحدي مصرين على تحويل المحنة الى فرصة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat