صفحة الكاتب : الشيخ حسين الخشيمي

ليلة نازحة!!
الشيخ حسين الخشيمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لا تختلف ليلة الجمعة لديّ عن باقي ليالي أيام الأسبوع، فكل أيامي حافلة بالنشاط "الإجباري" الذي اعتبره نوع من أنواع الديكتاتورية التي تمارسها في حقي أيامي لأنني أحب الكسل! أنا معيلٌ لعائلة مكونة من أربعة أفراد.. أحيانا أكون رجل و"أنزح" منه لإمراة تارة، ولطفلِ تارة أخرى.

رجولتي تملي عليّ واجبات رب الأسرة، منها توفير الحماية لهم والمعاش وتبعاته، فالعيش هنا صعب جداً. أنت مطالب بتوفر الماء والكهرباء والأمن والغذاء والدواء وحدك بجهد ذاتي دون أن تستعين بأي جهة حكومية، أما دور المرأة الذي أتقمصه في البيت؛ فيكمن في متابعتي لما يدور داخل الثلاجة مثلاً!! أو ما يدب على الأرض من مخلوقات غريبة! أو الاطمئنان على إحكام أكياس النفايات جيداً! فيما أتقمص دور الطفل مع علي الأكبر وسكينة، لكل واحد منهما ذوقه وأسلوبه الخاص باللعب والتعبير عن غضبه وانزعاجه، وهو أصعب دور بالنسبة لي.

قبل الخلود إلى النوم هناك مجموعة من الأوراد (الدنيوية) ينبغي أن أقوم بها، مثلا: خزان الماء يجب أن يكون ممتلئاً؛ لأن الماء "ينزح" في الصباح ويعود لنا بعد منتصف الليل! خزان مولد الكهرباء لابد أن يكون ممتلئاً بالوقود هو الأخر.. أطلق عليها تسمية "أوراد" لأنني أتقرب بها إلى الله أولا، والى عائلتي ثانياً!.

"حان وقت النوم".. عبارة يرددها ولدي ذو الأربعة أعوام كل ليلة، أسوة بالشخصيات الكارتونية التي يتابعها بشوق ليل نهار. إنها ليلة صيفية من ليالي آب.. لاهبة.. رطبة، حيث "أنزح" للسكن هنا في منطقة زراعية رطبة، باحثاً عن الهدوء الذي يشفع لها دائما، فلولاه لم  أفضل البقاء في هذا الحي ولو لدقيقة واحدة.

أنام على وسادة "نزحت" معي منذ أيام المراهقة حتى يومي هذا، بعد أيام قلائل ستدخل عامها التاسع عشر لا أستطيع الاستغناء عنها رغم أنها لا يمكن تمييزها عن الفراش فكلاهما في مستوى واحد! تشاطرها أيضاً "ملعقة" صغيرة هي الأخرى "نزحت" معي من بغداد إلى كربلاء منذ أعوام.

في الساعة الثانية بعد منتصف الليل أفيق من حلمي الأول.. أم "نازحة" مع أطفالها من تلعفر تطلب مني أن تشاركني العيش في منزلي المستأجر، إنها تفضل الحر والرطوبة والذل على الاغتصاب ثم الموت في مدينتها.. في الحلم أطفالها شاركوا أطفالي لعبهم وطعامهم وملابسهم وسط سعادة شديدة.. أما زوجتي فراحت تحاول البحث عن طريقة لعزل الأم عني لتحافظ على زوجها من امرأة أرملة نازحة تبحث عن رجل يؤمّن لها حياتها وحياة أطفالها!.

أما الحلم الثاني فكانت فيه جموع النازحين تقف على شكل طابور فوضوي أمام باب منزلي يحملون معهم أواني بأحجام مختلفة يطلبون شيئاً من الطعام، أحدهم كان يصرخ بصوت عالٍ: "شيخنا تمن وماش" وآخر: "شيخنا ماكو لبن؟!" وكنا نقدم لهم ما يطلبون وسط استياء وتذمر شديدين!!

بعد أداء صلاة الفجر جاء دور الحلم الثالث.. نازح يطلب مني أن أوصله من مرقد "عون" في كربلاء إلى "الولاية" مركز المدينة، في الطريق يطلب مني أن انتظره قرب مرقد الإمام الحسين عليه السلام ليزوره عن بعد.. رفضت بشدة وطلبت منه أن ينزل من السيارة ويكمل طريقه مشياً!.

ما الذي يحدث؟ ساعات النهار تلجأ نازحةً إلى ساعات الليل، المشاهد التي نراها، والأحاديث التي نتبادلها مع الإخوان والأصدقاء حول "نزوح" العوائل إلى كربلاء؛ تطاردنا في الليل.. في أحلامنا وساعات خلوتنا مع عوائلنا وأنفسنا.

نحن البسطاء تستوي لدينا ساعات النهار والليل، ربما لأننا نشعر بمن حولنا لقربنا منهم، فنحن على تماس مباشر بهم، نرى تلك العوائل النازحة وهي تلجأ الى الحسينيات والساحات والمخيمات في محافظة كربلاء المقدسة، ونستشعر حجم ذلهم وهم يقفون في طوابير أمام من تبرع لهم بتوزيع الطعام أو أي شيء آخر يسهم في انتشالهم من واقعهم المعاشي الصعب.

أحلام البسطاء تتزاحم فيها أصوات ونداءات النازحين.. فماذا عن المسؤولين؟!

إنها حقاً ليلة نازحة بامتياز!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين الخشيمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/09



كتابة تعليق لموضوع : ليلة نازحة!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net