الذي علم بالقلم، وزاد الإنسان ما لا يعلم هو رب العزة والجلالة, تجلت أولى آياته المباركة على صدر نبينا الكريم (ص) زاخرة بحب العلم والمعرفة والقراءة, فأمر نبينا الأمي بأن يقرأ تلك الآيات البينات, ليزيل بذلك جذور الظلمة العتماء التي لاحقت العرب في زمن الجاهلية, وليضفي عليها طابع النور المحمدي من خلال كتابه المبين الذي فصلت آياته للمسلمين؛ ولأنه لا ينطق عن هوى إلا بما أمر به، أخذ سيد البشر (ص) يحث الناس كافة صغيرهم وكبيرهم لطلب العلم ولو كان في الصين؛ ليخرجهم بذلك من جهل الظلام إلى عز معرفة النور.
بحبره الجاف، وأحرفه الجميلة، خلد تاريخ الأمم والأجيال التي سلفت, وحفظ شتى العلوم التي لولاه لضاعت بين طيات السنين المتراكمة, وهو أداة تسجل خلاصة كل علم, ومحاصيل كل فن, تنثر على القرطاس حكمة الدهر, وخبرة الناس, وما كان لهم من سعادة وما حدث لهم من شقاء, إذ لابد من انتقاء هذا السلاح الفكري...
دخلت ذات يوم عند أديب من الأدباء, وبعدما تناولنا أطراف الحديث، وإذا بأحد الأشخاص قد أقبل وجلس بقرب الأديب, وبعد لحظات سأله الأديب (عندك قلم)؟! فوجهت نظري نحو الضيف الذي أخذ يبحث هنا وهناك عن قلم، فابتسم الأديب وقال له: لم أقصد قلماً عادياً..؟! حينها أطرق الضيف برأسه خجلاً، فقال الأديب: هل تملك فكراً تجسده بقلم، ليحمل كل الكلمات المعبرة بصدق وإخلاص، ليصل بها إلى قلوب الناس, ولتبقى تلك الأحرف على مر الزمان، وليحفر اسمك بأحرف من ذهب, ولكن بشروطها...!
هنا انتابني الفضول، فأردت أن أسأل عن الشروط، فتمالكت نفسي لكي لا أكون (فضولياً متطفلاً)، وجعلت من رقبتي كرقبة البعير، كل هذا كان في ثوان, وإذا بالضيف يرفع رأسه وينظر إلى الأديب، ولاح في عينيه تساؤل..؟ الأديب: سوف أخبرك عن شروطها - حينها شعرت بالراحة وابتسمت في داخلي - الأديب: أن تجعل الله نصب عينيك، وهو الذي أقسم بالقلم، حين توجه سطورك نحو شخص ما، فاعلم أن للقلم ضجيجاً وصوتاً عالياً حين تخرج الكلمات عن السيطرة, فاجعل نيتك أصفى من بياض الأوراق, ولا تحسبه يراعاً من قصب فحسب، فهو فم وفؤاد ويد، يجعل من المستحيل سهلاً يسيراً... قلت في نفسي: كيف انسابت معه كلمات الشاعر (خالد الشواف) بهذه المرونة العذبة..؟
واصل الأديب كلماته التي دخلت إلى قلبي دون استئذان، وباتت تفتح لي آفاقاً نيرة... الأديب: قلمك الصغير لا قلب له، فلا تكن له قلب شقي كافر، وكن له قلب أم حنون. التفت الأديب نحوي، فوجدني لم أحرك ساكناً... حينها شعرت بقلق زال مع ابتسامة لاحت على محياه فقال: لا فائدة من قلم إذا لم يفتح فكراً, أو يمسح دمعة, أو يضمد جرحاً, أو يطهر قلباً, أو يكشف زيفاً, أو يبني صرحاً... وبالرغم من كونه جماداً، لكنه يحمل روح إنسان نبيل، يحب أن يعطي ويتبرع بكل ما يملك دون مقابل, فهو رمز للمعرفة والثقة بالنفس، فما أعظم القلم.!! غمرتني سعادة كبيرة لما حظيت به من نيل فرصة أن أكون بمكتب الأديب؛ لارتشف من كلاماته التي طبعت في ذاكرتي, ومع كل مسكة قلم، سأتذكر أولى كلمات الأديب لضيفه: (عندك قلم)؟
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat