صفحة الكاتب : خيري القروي

حديقة الحب .... في ( حدائق الوجوه ) ... لمحمد خضير
خيري القروي

ليس من السهولة ان تقرأ  ( حدا ئق الوجوه  ) لمحمد خضير ولا يعتريك شعور بالتعب من شدة الانغمار في التفكير والتأمل في دقائق الصور والمعاني في وجوه اشترك المؤلف مع البستاني في صياغة تفاصيلها ووضع خرائط ملامحها..لكن المتعة الفنية تظل ترافقك وتخفف عنك عناء السفر في تضاريس تلك الوجوه المجتمعة في ( حديقة العالم)  والتي وصفها بستاني طاعن في السن بانها اشبه بخمائل بديعة التنسيق ...

المؤلف لا يعطيك مفاتيح الابواب المغلغة على اسرار الوجوه المقنعة  والحكابات المدافة بالالغاز ، بل سيعطيك متعة البحث عن المفاتيح اضافة الى المتعة الفنية لعمل ابداعي ياخذ من اكثر من لون من الوان الاصناف الادبية المعروفة دون وضع نفسه في لون واحد مما يؤكد عملية تآكل الحواجز ما بين الاصناف الادبية ....

في كل الحدائق التي تمر بها تحتاج الى طاقة من التامل تعيننا على اقتناص المعاني المبثوثة ما بين السطور ..لا شك ان الصيد الثمين متوفر في   (حدائق الوجوه  )  ويلزم الصياد الماهر , نظرة متاملة , وذائقة جيدة , وصبر جميل لكي يغور في الماء العميق لكي يعثر على سمكة من هنا او يعثر على لؤلؤة من هناك  ولا ينفع الجلوس على حافة النهر ....

انها لرحلة ممتعة للعقل والخيال ..للصورة ومعناها .. للوجوه المقنعة ...وما يتخفى ورائها ..للبستاني الخبير وهو يتامل الوجوه في حديقة العالم ...في كل حديقة ندخلها من (حدائق الوجوه )  ياخذنا المشهد الى فضاء التامل ...فالمشاهد والصور والحكايات , محملة بالايحائات واللاستعارات.. فاللوجوه اقنعة .. وحدائق ..وحكايات  ....

وليس بوسعنا الدخول في كل حديقة واعطاء صورة واضحة المعالم لتلك الحدائق الابداعية المتخيلة..ولكننا سنختار حديقة من هذه الحدائق لجمال عنوانها ولذة السير وسهولة السير في طرقاتها , نقف مذهولين ومدهوشين امام مشهد خروج عشر فتيات بمنتهى الجمال والروعة والرشاقة , خروجهن من مقصوراتهن الفواحة بالعطر..المظللة بالاشجار..والمطلة على بركة ماء , فتيات متنعمات , ولكنهن مستعبدات , وفاقدات للحرية ....

نحن في  (حديقة الحب )....

فما الذي يجري في هذه  الحديقة  ... ؟؟

( حديقة الحب )....

الحب في(حدائق الوجوه) ليس حبا واحدا انما توجد منه انواع واصناف ولكل نوع ..لذته  ... 

لذته...   نوع من انواع الحب يستمتع فيه المحب بتحويل معشوقته الى تماثيل حجريه صماء , كما فعلت عشتار مع معشوقيها  .. ونوع آخر من الحب يكرس العبودية للجسد ويعطي امتيازا للذة على أي شيء اخر ويجعل الإنسان ملتصقا بالارض الغليظة بعيدا عن سماوات الروح ونبل المشاعر وصفاء السرائر . تكاد تخلب لبك صور الحب  لو نظرت الى ظاهرها .ولكن لو كسرت القشرة الفوقية ونظرة الى الاعماق لتبدت لك صورة اخرى لا ترضاها النفس الانسانية العاشقة للحرية ، هذه الصورة الجميلة للفتيات المنغمرات في مياه البركة في حديقة الحب لا يملكن سوى صور اجسادهن الفائقة الجمال .. اما ارواحهن فمستعبدة لقهرمانة تتسلى بضربهن بالسوط على ظهورهن وهن مستسلمات للسع سياط العبودية بصورة تدعو الى العجب ، حتى الحيوان (السنور  الذي يرافق القهرمانة باستطاعته ان يامرهن وينهرهن ويخوفهن . (( وما ان ارتفع النهار حتى برزت من مقصورة ، عشر شموس مع قهرمانتهن ، وهبطن مجردات الى البركة ، وبقيت سيدتهن على الحافة في ثوب طويل تلوذ باذيالها دويبة بيضاء طويلة الذنب مربوطة الى يد القهرمانة بسلسلة طويلة ممدودة ، كانت هذه الدويبة سنورا مربربا يشب في اثر كل فتاة تنزع عنها ثوبها فترمي بنفسها الى البركة .)) 

الفتيات الخارجات من مقصوراتهن المعطرة بشذى الورد لا مثيل لجمالهن ، انهن ا شبه بحوريات في الجنة ولا انسجام بين الجنة والعبودية ابدا الا اذا كانت العبودية لله سبحانه وتعالى . انهن اسيرات إرادة مسخت ارادتهن واهانت كرامتهن طالما ان حياتهن اصبحت ملكا لملك ظالم او امير جائر او ثري مغرور بثرائه او أي انسان استغل الناس بسب من قوته او سلطته . ليس هذا هو الحب الحقيقي وان حقق بعض المتع الحسية لاصحابه ...انه حب في الظاهر , وعذاب من الداخل ....

(الحب الحقيقي) ...

لكن الحب الحقيقي هو حب  (رابعة العدوية ) التي اعرضت عن جميع مظاهر الحب الخادعة ..هربت منها جميعا وارتوت من نبع الحب الخالد, لان معشوقها هو الخالد , وهو الذي يهب الخلود لمن يشاء او لمن يستحقة 

(( وفي اليوم الثاني أقيم مسرح الحب بين بركة ماء وحفرة نار . وجائت رابعة العدوية المعروفة برابعة البصرية مع خادمات لها وصاحبات زاهدات مثلها فكانت البركة ملأى دوما من دموع محبتهن , والحفرة مستعرة دوما بزفرات مهجهن , اما الشبه بالهيئة والملبس فقد زيد بالارتباط والالتصاق , بالمحبة والعشق, فكن جميعهن مقترنات بسلسلة واحدة تسح من اطواق في اعناقهن . وتجمع بين رابعة البصرية ورابعة الشامية ورابعة الحبشية ورابعة الرومية ورابعة المروزية ورابعة الافغانية. وكانت رابعة البصرية تتخطى المسافة امامهن الى وسط المسرح متقلبة على اضلاعها ساحبة اليها الاجساد المسلسلة المتشحة بدثر حيكت من الشعر سائلة : (من يدلنا على الطريق..؟) ...

(.التوحيد في العشق) ...

رابعة العدوية موحدة في حبها , وكل اللواتي أحببن على شاكلتها , مشركات في الحب . وحب الموحد يسكن الروح ثم يشع على جوارح الجسد . والحب الذي فيه اشراك هو سجين الشهوة واسير اللذة . وشهوات الجسد كفقاعات قد تبدو كبيرة وجميلة وذات الوان زاهية .. ولكنها بلا حقيقة ثابتة .. سرعان ما تنطفىء وتموت .لذالك اصبحت رابعة العدوية اميرة العاشقات. لانها عشقت النبع الصافي والذي منه تتشعب كل الانهار فتخضر الارض وتتفتح اكمام الازهار. ومن اجله تغرد الطيور وتعطي النحلة عسلها والنخلة ثمرها والكربة عنبها

يقول صاحب ( اقنعة الوجوه) :  

(( الحب مكثر . والعشق موحد ... احبت عشتار اكثر من محبوب فصار لها اكثر من اسم في عالم الحب .وذهبت كليوباترا  في الحب اكثر من مذهب . وافرطت في تقلباته ونالت من سمومه جرعة فتتت اسمها في اسماء كثيرة ... الا  رابعة العدوية فقد جردها الحب من الدلالة المربعة لاسمها ( النديم, والكأس, والخمر, والجسد ) حين وحدت ذاتها بذات معشوقها فكانت العاشق والمعشوق , الهاربة من نفسها الى محبوبها , وكل حوار يذكرها بانها اولى لا رابعة على عرش الحب وان كل شريكة لها في حبه , مشبوكة بسلسلة العشق التي تبدا بها ....))

                                          

 

 

 

 

 

 

 

 

كتاب في دائرة الضوء.................................................... خيري القروي

 

في القراءة متعة فريدة ومميزة , وخصوصا إذا ما كانت ( قراءة في كتاب ) لكن هذه المتعة لم تعد ضمن قائمة الأولوية في حياة الناس اذ تمت إزاحتها من مكان الاولوية الى مكان في الهامش بعد أن زاحمتها وسائل أخرى حديثة ومتطورة ...

و ( كتاب في دائرة الضوء )  محاولة لترتيب الاولويات في حياتنا ( المرتبكة ) لتكون (القراءة) حاجة ضرورية ومطلبا انسانيا , ومتعة روحية , وواحة لسكون النفس من اجل استعادة جزء من توازننا الذي اصابه الخلل ونحن نكابد السير في طريق الحياة الوعر .... 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


خيري القروي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/27



كتابة تعليق لموضوع : حديقة الحب .... في ( حدائق الوجوه ) ... لمحمد خضير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net