كان الوزير خنياس في مقره , عندما دخل احد الجنود معلنا عن وصول وفدا من قبل ينامي الحكيم , فأومأ للجندي ان يسمح لهم بالدخول :
- فليدخل ! .
دخل رجل واحد فقط , ألقى التحية على الجميع , سلم احد الضباط ما لديه من الاوراق , ثم ألتفت الى الوزير خنياس قائلا :
- هنا تفاصيل كل مطالبنا .
سلم الضابط الاوراق الى الوزير خنياس , الذي بدأ يقلبها بانتباه شديد , بينما خيم السكون على القاعة الكبيرة , حالما انتهى من تقليب الاوراق على وجه السرعة قال الوزير خنياس للرجل :
- حسنا ... سوف ندرسها جيدا ثم نبلغكم بردنا ... لقد انجزت مهمتك ... يمكنك الانصراف ! .
حالما أنصرف الرجل , طلب الوزير خنياس حضور ضباط الاركان , لم يمض وقت طويل حتى حضر الجميع , بدأ احد الضباط الصغار تلاوة ما في تلك الاوراق , ظهرت عليهم علامات السخط وعدم الرضا , فقرر الوزير خنياس ان يعقد مشاورات مع عدد اوسع من الضباط , وخصّ منهم بالذكر القائد خنكيل المشرف على الهدنة , ثم طلب منهم التفكير جيدا بالأمر والاستعداد لمناقشة المطالب في اليوم التالي , أنصرف الجميع .
طلب الوزير خنياس من ضابط الشاشات ان يتصل فورا بالإمبراطور .
في اليوم التالي وفي الساعة المحددة للاجتماع الموسع , حضر عدد كبير من الضباط , وكان القائد خنكيل يجلس في المقدمة , تليت على اسماعهم مطالب الثوار , وبدأ النقاش حولها , اعترض جميعهم على مطلب توسيع دولة الثوار والحاق خمسة مدن بها , خصوصا وان هذه المدن الخمسة كبيرة من حيث المساحة وتتمتع بزخم بشري كبير , فقال بعضهم :
- طلب مرفوض ... نسمح لهم بحرية التداول بلغتهم فقط .
- مرفوض ... نحن نسعى الى تقليص دولتهم ... وهم يريدون التوسع فيها .
- وفقا الى بنود المعاهدة يحق لهم المطالبة بإجراء بعض التعديلات عليها ... حسب ما جاء في تلك البنود ان ثبت حسن الجوار يمكننا ان نوافق على توسعة دولتهم مراعاة للنمو البشري والحاجة الى الاراضي ... لذا فلنوافق على منحهم مدينة حيمات الصحراوية فقط .
- منحهم مدنا اكثر يعني انسحاب جيوش الامبراطورية منها .
- غاية في الوقاحة ان يطلبوا توسعة دولتهم اللقيطة .
- يبدو انهم سئموا الهدنة والسلام ... لذا قدموا طلبا اعجازيا كي يتسبب بنقض الهدنة .
كان الوزير خنياس يستمع بهدوء للجميع , ثم التفت نحو القائد شيلخوب سائلا :
- لم تتحفنا برأيك ؟ .
- مهمتي هنا الحرب وليست ابداء الآراء .
- حسنا .
ثم حدق الوزير خنياس بالقائد خنكيل وسأله :
- ما رأيك ايها القائد خنكيل ... رأيك مهما لنا خصوصا وانك المشرف على الهدنة ؟ .
- أرى ان نرفض كل المطالب ... مقابل الموافقة على منحهم ثلاث مدن من اصل خمسة ... حيمات – صينداف – رانجوك .
ضجت القاعة بالاعتراض على كلامه , لكن الوزير خنياس كان الاكثر حكمة , فقال له سائلا :
- ما الحكمة في ذلك ؟ .
- ان جميع مطالب الثوار ليست حقيقية عدا مطالبتهم بالمدن الخمس فأنه مطلب حقيقي ... غلفوه بالكثير من المطالب الصغيرة الاخرى .
- كلامك في محله ... اذا وما الحكمة من الموافقة على منحهم المدن الثلاثة التي ذكرت ؟ .
- دولتهم لم تعد تكفيهم من حيث المساحة ... هم بحاجة فعلية الى ضم اراضي اخرى لإنشاء المصانع والمزارع ... وهذا ما توفره لهم مدينة حيمات الصحراوية ... ثم انهم بحاجة الى ايدي عاملة ... وهذا موجود في مدينة صينداف الشهيرة بكثافتها البشرية ... اما مدينة رانجوك فالمعروف عنها خصوبة اراضيها ما يوفر لهم الغذاء الكافي للدولتهم .
- وماذا عن المدينتين الاخريين ؟ .
- هم ليسوا بحاجة لهن على الاطلاق لكنهم ادرجوهن ضمن المطالب عملا بالمقولة ( اطلب خروف تنال صوف ... اطلب صوف لا تحصل على شيء ) .
- أتعتقد ايها القائد خنكيل ان في منحهم تلك المدن قرارا حكيما ؟ .
- غاية في الحكمة من عدة جوانب اهمها ما تجنيه الامبراطورية من تلك المدن زهيد جدا ... فلو منحناها للثوار ورفعنا الضريبة عليهم الى اضعاف ما كنا نجنيه منها سيكون ذلك افضل ! .
اعترض بعض الضباط عليه قائلين :
- ايها القائد خنكيل انك تميل الى المتمردين وها انت تسميهم ثوارا ! .
- تربطك علاقات صداقة حميمة مع ينامي اللاحكيم هذا ! .
- يبدو انك واقع تحت تأثير ينامي الساحر ! .
نهض القائد شيلخوب من كرسيه موجها كلامه الى القائد خنكيل :
- نحن على علم بأن ينامي لديه جواسيس في إمبراطوريتنا ... لا شك عندي ان تكون ذلك الجاسوس ! .
انزعج القائد خنكيل ونهض من كرسيه قائلا :
- من انت يا هذا كي تتهمني بهذا التهمة ... أنسيت من انا ... ام انك لا تعرفني يا احمق ؟ ! .
جفل الجميع , وكذلك جفل القائد شيلخوب تمنى انه لم يضع نفسه في موقف كهذا , تدارك الوزير خنياس الموقف مهدئا القائد خنكيل بخبث ودهاء :
- ايها القائد خنكيل ... انت تعرف ان شيلخوب من الحرس الامبراطوري وهؤلاء مشهورون بالعجرفة ! .
- ان كان متعجرفا يجب ان يجرب عجرفته معي انا القائد خنكيل ... ابن عم الامبراطور وزوج ابنته ... وكذلك ابنتي الاميرة شينوس الوريثة الوحيدة للعرش الامبراطوري ... طال عمر امبراطورنا المعظم .
تصبب وجه القائد شيلخوب عرقا وهو يرى الغضب في وجه القائد خنكيل , مصحوبا بوجه الامبراطور الغاضب فقرر ان يبحث عن مخرج للازمة :
- اعرف كل ذلك جيدا ... لكنك طالما ازعجت امبراطورنا المعظم بقراراتك وتصرفاتك التي لا تنتمي الى إمبراطوريتنا ... حتى شككنا في ولائك للإمبراطور المعظم وللإمبراطورية .
انزعج القائد خنكيل لسماع كلامه , اقترب منه ولطمه على وجهه , شتمه وامره بالانصراف :
- عد مع الحرس الامبراطوري من حيث اتيت ... فلا داعي لوجودكم هنا بعد الان ! .
حاول القائد شيلخوب ان يتمالك غضبه , لكن اوامر القائد خنكيل تعني اوامر الامبراطور نفسه , فلم يك له الا ان ينحني ويغادر القاعة .
شعر الوزير خنياس بالارتياح لمغادرة القائد شيلخوب الذي طالما كره وجوده بينهم , وكذلك تنفس اغلب الضباط الصعداء , حاول الوزير خنياس ان يقضي على حالة التوتر السائدة , طلب من احد الضباط ان يتلو ارقام واردات المدن الثلاثة , فتلا بصوت مرتفع بعض الارقام , كانت صغيرة , ثم طلب من ضابط اخر ان يتلو الارقام التخمينية فيما لو ضمت تلك المدن الى دولة الثوار , فتلى ارقاما عالية جدا , ثم طلب من جميع الحضور التصويت , اعترض بعضهم :
- في مثل هذه المسائل يجب ان نفاتح المجلس الامبراطوري للمشورة ! .
- يجب ان لا نبت في مثل هذه القضايا .
- ان كان تصويتنا قرارا اوليا ... فلا بأس ... على ان يكون القرار النهائي بيد المجلس الامبراطوري ! .
اعرب القائد خنكيل عن ارتياحه لاقتراح الوزير خنياس فقال :
- اذا فلنصوت ... وننتظر مصادقة المجلس الامبراطوري على قرارنا .
بدأ التصويت , فكانت النتيجة الموافقة بنسبة عالية , ابتسم الوزير خنياس قائلا :
- هذا هو قرار الامبراطور المعظم ... فقد استشرته مسبقا ... لكنه اقترح عليّ ان اقيم هذا التصويت ! .
***************************
فرح الثوار عند سماعهم خبر الموافقة , واستعدوا الى ضم المدن الثلاثة بأسرع ما يمكن , بينما اعلنت الاحتفالات في تلك المدن , واستعدوا بدورهم الى حياة جديدة .
****************************
مضى على الهدنة سبع سنوات , دون ان تحدث اي خروق من اي طرف , كلاهما كانا متمسكين بها .
**************************
دخل احد الضباط منحنيا امام الامبراطور :
- قل ماذا ورائك ! .
- سيدي الامبراطور المعظم ... لقد استطاعت الوحوش الطائرة رصد تحركات ينامي السرية .
- نعم .
- واكتشفنا انه يتردد على منطقة جبلية في عمق الصحراء ... يختفي اثره بين ثلاثة جبال ... ليس لدينا شك انه يلتقي به هناك ! .
- لا اريد شكوك او احتمالات ايها الاحمق اريد تأكيدات .
- نعم سيدي الامبراطور المعظم ... المشكلة ان الوحوش الطائرة لا تستطيع حسم الامر من الجو ... وهذه المنطقة تابعة لدولة المتمردين ! .
- اذا ارسلوا عشرة من جنود الحرس الامبراطوري ليتفحصوا الامر ! .
- وماذا عن الهدنة ؟ .
- ليكن الامر بسرية تامة ... لا يعلم به احد ... وان وجدوه هناك فليقتلوه ... ولا داعي للهدنة بعد ذلك .
- امركم سيدي الامبراطور المعظم ! .
************************** يتبع
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat