صفحة الكاتب : د . عبد الحسين العطواني

الاحتكار المعلن
د . عبد الحسين العطواني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 لاشك أن مطلب الجماهير المعتصمة صناعة ثقافة جديدة , وجوهر هذه الثقافة هو التغيير الشامل للحكومة , والإطاحة بالفساد والاستبداد بعد أن عانى الشعب طويلا من طغيان المفسدين , فهم طامحون إلى إحداث تحولات عميقة وجذرية وسياسية واجتماعية , فلا يخفى على الجميع أن هناك ثلاثة أطراف أساسية في المجتمع , (الأرض , والإنسان , والدولة ) , تكمن معرفة تاريخ أي مجتمع ودينامية تطوره في فهم جدلية العلاقة بين الأطراف الثلاثة , وفي تاريخ الدولة فأن المجتمع العراقي حتى يوما هذا , يمثل الصراع السياسي عليها ابرز سمات عملية التطور السياسي , ذلك نرى من يصل إلى السلطة كيفما كانت وسيلته يستطيع أن يتحكم في الأرض , والإنسان معا , لهذا حتى عملية الوصول إلى السلطة تعني التحكم في قدر كبير من الثروة والقوة وتسيير المجتمع وفقا لمصلحة الجماعات المسيطرة.
لذلك فإن السائد في العراق إطار مظهري وشكلاني لمؤسسات الدولة , لكنها في حقيقة الأمر سلطة جهوية لا تنظر إلى المجتمع وفق مفهوم المواطنة , تعتمد عقلية الغنيمة انطلاقا من رؤيتها لاستملاك السلطة والتفرد بها , وهنا قٌوضت أسسها المجتمعية ومشروعيتها الشعبية , وأصبحت أمام سلطة بالتغلب تعتمد قهر المواطنين وإهدار حقوقهم , الأمر الذي ظهر فيه تزايد في معدلات الفقر والبطالة , حيث التحالف بين الكتل السياسية والأحزاب الدينية من اجل المكاسب , يضاف إليهم رموز قطاع الأعمار , وبعض قيادات المؤسسة العسكرية , ونشأ هذا التحالف على أساس الرغبة في السيطرة على الدولة ( السلطة ) , ثم فرض وجوده السياسي ومشاريعه الاقتصادية وفق آليات التسلط وحرمان الشعب , والاحتكار المعلن في هذا الشأن .
لكن الأمر المهم أن الدولة بما مثلت في مجال للصراع على آلياتها المؤسسية السياسية فأنها لم تكتمل في نموها التنظيمي والقانوني , بل وحتى أنها لم تستطع فرض وجودها الرمزي داخل المجتمع , وعلى الرغم من الحراك الجماهيري لم نلمس محاولات جادة في حضور الدولة بعدها كيانا قانونيا وتنظيميا تقوم بوظائف إنمائية داخل المجتمع على هذا النحو في العراق , معنى ذلك أن المسار الديمقراطي في قيام الدولة لم يكن متبلورا في التحقق التنظيمي والهيكلي في جهاز الدولة ونظامها السياسي , ولم يكن واضحا في وعي النخب السياسية والحزبية بما في ذلك النخب الحاكمة, كما أن القوى الحديثة صاحبة المشروع في الدولة المدنية وبالتحول الديمقراطي لم تكن جاهزة ومنظمة بحيث تدفع بمسار بناء الدولة , بل كانت ضعيفة التنظيم غير موحدة في مجموعها , واعتمدت تحالفات تقليدية ضمن لعبة الصراع السياسي , فتمكنت هذه القوى التقليدية من تمرير مشروعها السياسي الذي جرت السيطرة على ممكناته المؤسسية والقانونية بل وحتى الثقافية .
في هذا السياق يمكن القول انه على الرغم من الاعتصامات التي جرت في العراق والتي شكلت ملمحا لقدرة الشعب في فعلهم الجماعي على إنهاء مرتكزات التسلط السياسي على تعيين الحكومة وفقا لمصالحها , إلا أن الثقافة السياسية الجديدة لاتزال محكومة بمنظومة من العادات والتقاليد السابقة لثقافة الدولة والمسحوبة من مرحلة الضرورة وعصبوياتها من منظور أن الدولة تستخدمها طبقة أو جماعة من اجل الحكم في المجتمع بعيدا عن كونها نظاما قانونيا تترابط به أجزاء المجتمع المختلفة ترابطا سياسيا .
لذلك يمكن القول أن اغلب الحكومات في مؤسسات الدولة العراقية عاجزة ولاتلبي طموحات الشعب , والاتجاه الحالي للتغيير للأسف هو امتداد لهيمنة السلطة لان مشكلة المحاصصة لازالت تتحكم بمستقبل المؤسسات وبمقدرتها على الاستمرار , واللافت أن رؤساء الكتل هم أول من طرحوا مسألة الإصلاح فإذا كان الأمر كذلك وهي جادة في عملية التغيير الشامل نحو حكومة التكنوقراط وان تشارك في مكافحة الفساد , عليها أن تبدأ في إصلاح نفسها وان تجد وسائل جديدة لتحقق الحد الأدنى من استغلال السلطة لتمويل مشاريعها الخاصة وتخفف من الخلافات التي بينها وبين الشعب , عن طريق إعادة تعريف العلاقة بين النظام والدولة , وتوزيع السلطة على أساس التغيير , لان المواطن العراقي يستطيع أن يستشف الحقيقة حيت التراشق في خطابات السياسيين التي تخلو من انتظار تغييرات تتجلى بالحد الأدنى من المصداقية, وما آل إليه اجتماع مجلس النواب في 12 / 4 / 2016 من اتفاق اغلب الكتل السياسية بعدم التصويت على الكابينة الوزارية التي قدمها رئيس الوزراء , وما تلاها من انشقاق لأعضاء مجلس النواب , واتفاق أغلبية الأعضاء من المعتصمين على إقالة رئيس مجلس النواب , فلماذا هذا التراجع الكبير الذي شهدته الكتل السياسية في عملية الإصلاح وتشبثها بالمناصب الوزارية , لذلك فأن الوضع في العراق مازال يسوده جوا من الغموض من الصعب تشخيص نتائجه , وقد تنحرط قوى إقليمية ودولية لتفجير صراعاتها في بلد لم يتعاف بعد من الفتن والحروب المتناسلة من أزمان متطاولة لاتزال مشتعلة في أكثر من مكان .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الحسين العطواني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/25



كتابة تعليق لموضوع : الاحتكار المعلن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net