صفحة الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي

يوم الغدير .. يوم تعيين أم تأكيد!!
د . الشيخ عماد الكاظمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحديث عن إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من أهم الأحاديث لما لها من علاقة وثيقة بالعقيدة الإسلامية، فلا يتصورنَّ أحدٌ أنَّ المباحث المتعلقة بهذه الولاية هي مجرد الدفاع عن حق إلهي تعدى عليه بعضٌ ونحن نحاول أنْ نثبت أحقيته من خلال تلك البحوث والمؤلفات التي كتبت في ذلك، بل إنه من أهم المباحث إضافة لما تقدم من علاقته بالعقيدة، بل إنه من أكبر المسائل التي اختلف المسلمون فيها بعد وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كما وصفه الشهرستاني (ت 548 هـ) في الملل والنحل بقوله: ((وأعظم خلاف في الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سُلَّ سيفٌ في الإسلام على قاعدةٍ دينيةٍ مثلما سُلَّ على الإمامة في كُلِّ زمانٍ))، ([1]) فمن خلال هذه الكلمة يُعرف مدى الخلاف والانشقاق الذي حصل بسبب ذلك، إذاً فمسألة الإمامة وولاية ولي الأمر من المباحث التي تستحق العناية والبحث والتفصيل فيها .. ونحن في هذه السطور لا نريد البحث في ذلك بعد أنْ أَغْنَتنا المصادر العقائدية بحثاً وتحقيقاً، بل نحاول أنْ نلقي نظرة على "يوم الغدير" وما حدث فيه من حدث لا أريد أنَّ أُعبِّرَ عنه بأنه حدثٌ كبيرٌ جداً في تأريخ المسلمين؛ لأنه ليس بجديد لو اطَّلعنا حقيقة على تأريخ البعثة النبوية الشريفة، فإنه ومن خلال الإيمان والجزم بأنَّ العلاقة بين النبوة والإمامة هي علاقة وثيقة لا تفترق نرى أنَّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أكد على ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) في موارد ومواقف متعددة، فكان الأمر مقترناً بالبيان للناس منذ الأيام الأولى للبعثة النبوية الشريفة في تأسيس الدولة الإسلامية وما يتعلق بها، وهذا ما ذكرته المصادر التأريخية وخصوصاً الحديث المشهور بحديث (يوم الدار) عندما أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنْ ينذر عشيرته الأقربين، فلما نزل قوله تعالى: ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) ([2]) جمع النبي خاصة  أهله وعشيرته في دار أبي طالب وكانوا أربعين رجلاً وأمر أنْ يُصنع لهم فخذ شاة ... ثم قال: يا بني عبد المطلب إنَّ الله بعثني إليكم خاصة فقال: ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان، ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد بهما لكم الأمم، وتدخلون بهما في الجنة، وتنجون بهما من النار؛ شهادة أنْ لا إله إلا الله وأني رسول الله. فمَنْ يُجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به، يكن أخي ووزيري ووصي ووارثي وخليفتي من بعدي، فلم يُجب أحد منهم ... فقال ذلك ثلاث مرات ويقوم فيها عليٌّ فقط والنبي يقول له: اجلس. وفي الثالثة قال له: اجلس فأنت أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي. فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب: ليهنك اليوم إنْ دخلت في دين ابن أخيك، فقد جعل ابنك أميراً عليك. ([3])

فهذه الواقعة واضحة وجلية في أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نصَّبَ علياً وصياً للمسلمين من بعده في بداية الدعوة الإسلامية وأصبح يؤكد هذا المعنى طيلة البعثة النبوية من خلال الأحاديث الكثيرة، وأما ما كان منه في يوم الغدير فهو مجرد التأكيد على الأمر وأخذ الميثاق والعهد من المسلمين عليه، وليس كما يظن بعضٌ أنَّ في هذا اليوم نصَّبَ النبي علياً وصياً وولياً على المؤمنين، كلا فهذا لا يمكن القول به وإلا فما هو التوجيه المقبول والصحيح لتلك الأحاديث التي وردت منه (صلى الله عليه وآله وسلم) بحق علي (عليه السلام) ؟

فالذي يجب علينا أنْ نؤمن به ونبيِّنَه لكُلِّ مَنْ يريد الواقع والحقيقة ،أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نصَّبَ علياً وصياً له وأميراً للمؤمنين في الأيام الأولى لدعوته الشريفة وأكد عليها في أواخر أيامه الشريفة وكان يبين ذلك ويذكره دائماً؛ لعلمه ما في نفوس بعض الناس الذين لم يستطيعوا أنْ يتصوروا عظمة الرسالة وعالميتها وعلاقتها الوثيقة بالسماء والوحي الإلهي وأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمكنه أنْ ينطق بحرف واحد يشرِّعُ فيه أمراً من دون أمر الله تعالى ووحيه، لذلك كُنّا نرى منهم الاعتراضات التي تصدر منهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين حين وآخر في موارد عدة. ([4])

فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والحال هذه من كونه مرتبطاً بالوحي في كُلِّ أموره ما كان له سوى الامتثال للأمر الإلهي في تبليغ الناس ما أنزل إليه من الله تعالى في أخذ العهد والميثاق والتأكيد عليه في أواخر أيامه الشريفة، فقام (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك الموقف الخاص بكُلِّ ظروفه من حيث المكان والزمان والكيفية، فكان المكان: هو "الجحفة" حيث مفترق طرق الحجاج والعودة إلى ديارهم، والزمان: أواخر أيامه (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي ذلك الحر الشديد، والكيفية: صعوده على مرتفع وأخذه بيد علي ورفعها وتسليم المسلمين له بإمرة المؤمنين .. وكُلُّ ذلك ظاهر كما ورد في الرواية الشريفة لحجة الوداع، حيث جاء فيها: ((ولما قضى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحج رحل إلى المدينة بمن معه من المسلمين حتى وصل إلى غدير خمّ وكان يوماً شديد الحر، فأمر بدوحات ووضعها على شبه المنبر ثم نادى بالصلاة الجامعة فاجتمعوا وكان أكثرهم -النبي- يشد الرداء على قدميه من شدة الحر، ثم صعد المنبر ودعا أمير المؤمنين وحمد ووعظ وأبلغ ونعى نفسه إلى الأمة، وقال إني قد دُعيتُ ويوشك أنْ أُجيب وقد حان مني خفوق من بين أظهركم، وإني مخلف فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلوا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإتهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم نادى بأعلى صوته: ألستُ أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا: بلا. فقال لهم وقد أخذ بضبعي علي (عليه السلام) فرفعهما حتى رُئي بياض إبطيهما: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ مَنْ والاه، وعادِ من عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خذله. ثم نزل فصلى ركعتين ثم زالت الشمس فصلى بالناس ونزل في خيمة وأمر علياً (عليه السلام) أنْ ينزل بإزائه في خيمة. ثم أمر المسلمين أنْ يدخلوا على عليٍّ فوجاً فوجاً ليهنّوه ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين، وكان فيمن أطنب في التهنئة عمر وقال: بخٍّ بخٍّ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)). ([5])    

 فهذا هو حال المسلمين في يوم الغدير من التسليم على علي (عليه السلام) بولاية المؤمنين، ونص الرواية يؤكد هذا الأمر من خلال أجوائها، فكان في ذلك اليوم من أخذ العهد من المسلمين على الوفاء له والامتثال لأمره؛ لأنهم يعاهدون على الالتزام بتعاليم الشريعة المقدسة، ولا يمكن لأهوائهم أنْ تتحكم بالأمر الإلهي؛ لأنَّ الله تعالى قد نهى عن مثل ذلك، وبين إنَّ حال بني إسرائيل مع أنبيائهم كان تحريف الشريعة من الالتزام ببعضها وترك بعضها قال تعالى: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)). ([6]

 فالالتزام بالاحتفال في هذا اليوم وما حدث فيه هو عين الالتزام بالإيمان بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يتعلق برسالته وبعثته؛ لأنَّ النبي هو المبلغ عن الله الشريعة للناس، والإمام هو الحافظ والمبيِّن لها بعد النبي، ولقد كانت سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) شاهدة على ذلك على الرغم من زيغ الأمة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قال عمر قولته المشهورة: (لولا علي لهلك عمر) .. إنَّ هذا يثبت لنا المنهج السوي والصراط المستقيم الذي وضعه الله تعالى للشريعة الإسلامية المقدسة وبلَّغه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان واضحاً كالمحجة البيضاء منذ اليوم الأول لدعوته لتأسيس الدولة الإسلامية العالمية التي ستنطلق من مكة لتصل كل بقاع العالم لا لبس فيها ولا شبهة ولا نقص ولا انحراف، وختاماً نرى أنه يوم التأكيد وأخذ العهد وإنْ تضمن التعيين ..

 

([1] ) الشهرستاني، عبد الكريم، الملل والنحل، ص25

([2]) الشعراء: الآية 214

([3]) العلامة الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، ص258

([4]) للتفصيل ينظر: النص والاجتهاد للسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي

([5]) ينظر: العلامة الحلي، ص 245

([6]) البقرة: الآية 85


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . الشيخ عماد الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/09/10



كتابة تعليق لموضوع : يوم الغدير .. يوم تعيين أم تأكيد!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net