صفحة الكاتب : باقر جميل

قصة شهيد أنا  والمَنية ، مطاردة حتى الموت ! .
باقر جميل

 (وددت أن يميلوا  علينا  الساعة فنميل عليهم فنعانق  الحور  العين ) .
هذا ما قاله برير بن خضير  الهمداني في ليلة عاشوراء أو يومه سنة 61 للهجرة في العراق في منطقة كربلاء ، وهو يتشوق في ذهابهِ  الى المَنية  أكثر من اشتياقها له .
ولكن دعونا من عاشوراء فلها خواصها العجيبة والغريبة ، و سأروي لكم قصة حصلت في العراق أيضا  ،  وهي مطاردة بين شخص ومَنيته , طاردها وهي  تهرب منه لكنه أصر على اللحاق بها .
بدأت المطاردة بعدما  أعلن الجهاد الكفائي من مرجعية النجف الأشرف ، في  الخامس عشر من شهر شعبان المعظم ، من عام1436 للهجرة . فهبت الناس زرافات زرافات على ساحات القتال ، ومن بين هذه الجموع ، شخص أسمه (خليل ابراهيم الجليحاوي) ، لكن خليل ما أن وصل  الى ساحات الجهاد حتى وجه خطابه للمَنية قائلا لها :
 يا مَنية ، سوف لن أدعك تفرين من يدي مهما حاولتِ ..!
التفت المَنية بغرابة ، ومن يجرأ على هذا القول أمامي ؟  فقالت له :
هل  انت متأكد ؟ أنا اطارد الناس وألحق بهم وهم يهربون مني ، وليس  العكس ، فمَ الذي تقوله يا خليل ..!؟
الشهيد خليل : دعكِ من الناس ولست أعرف ما في قلوبهم  ،لكن أمري مختص معكِ فقط ، فاستعدي ..!
المَنية : حسن ، ولكن هذه المرة سيختلف أسلوبي معك يا خليل ، لأنك تحديتني ..!
الشهيد خليل : افعلي ما يحلو لكِ ، وأجلبي معكِ كل سلاح ممكن، عسى أن يُسعفكِ مني ، فإني لستُ بتارككِ إطلاقا ..!
المَنية : يا خليل ، إعلم أني قاسية مع من يعاندني ، وسوف لن أرحمك إطلاقا ففكر فما تقول يا رجل ..!
الشهيد خليل : نعم ؛ سمعت عن قسوتكِ وشدةِ ضربكِ ، لكني جهزتُ نفسي بكل شيء لمواجهتكِ ، والواقعُ سيثبت ذلك ..!
هنا بدأ الصِراع بين المَنية والشهيد خليل إبراهيم بصورة عجيبة ، وكأن إبراهيم أسداً لا ينفك عن ضرب  المَنية بقسوة وهو يهجم عليها ، وعندما يضيق بها  الخِناق تهرب  وتختفي عنه ، وتحاول أن تكسر من عزيمته من خلال باب آخر ، وأن تأتيه حِيلة وغيلة .
غابت عن عينه لكنها لم تغب عن فكره وتفكيره ، حتى وجدها في إحدى المعارك قد نالت من أخيه وهو مخضب بدمه ، جاء خليل الى أخيه وهو يهنئه بالشهادة ، هذا والمَنية تنظر الى الموقف بعين حادة وتقول :
يا خليل ، هذا أول الغيث ، أخذت منك أعز ما تملك ، وهنا في ساحة القتال ، كسرت ظهرك يا خليل ، فلن تقوم لك قائمة .
أجابها خليل ودمعة في طرف عينه :
ما حزنت لرفضي فقدان أخي ، بل أغبطه لأنه سبقني لما يحب ويرضى ..! أما انتِ فكوني واثقة ، لن تُثنيني عن عزيمتي ، ولن أُخذل أبدا ، أو اتراجع .!
المَنية : يا خليل ، سوف تتجرع ألماً قَلَ نظيره ..!
الشهيد خليل : دعك من الوعيد وهاتي ما عندكِ .
كُسر ظهر خليل عبد الأمير بأستشهاد أخيه بين يديه في إحدى المعارك ، لكن سرعان من أنتهى مجلس  العزاء ، حتى شدَ الرحال لجبهات القتال  مرة أخرى ، وهو كله أمل أن يظفر بالمَنية ويمسك بها ، ما أن وصل والتقت المَنية به قالت له :
 أها ، لقد رجعت يا خليل ، ولم تتعض !؟ ، لعل  الدرس لم يكن قاسيا كفاية !؟
الشهيد : نعم  رجعت ، وكلي ثقة بان الله سوف يحقق مبتغاي في  الإمساك بكِ .
تعاركا  واشتد الوطيس  في كثير من المعارك والجبهات ، وثار  الكثير من الغبار المتناثر في وجه خليل ، وهو يبحث جاهدا عن المَنية ، لعله يوفق ويمسك بها ، وحرارة  استشياقه لأخيه بدأت تسعر عنده .
ومرة أخرى هربت المَنية ، لكنها أخذت معه يده اليمنى هذه المرة، قُطعت يد 
خليل في إحدى المعارك ، وكادت أن تخرج نفسه من بدنه من كثرة نزف  الدم !
وبينما هو يصارع مع نزف  دمه ، وإذا بالمَنية واقفة أمامه وبضحكة صفراء ، خليل ، كيف حالك آلان ؟ هل ستجاهد وتقاتل وأنت بيد واحدة ؟
تأثر خليل قليلا من ضحكتها  الصفراء وقال :
هي فداء لأبي  الفضل العباس ، الذي قطعت يداه معا !
صُدمت المَنية بهكذا جواب ، وقالت له :
 أنت فعلا  عنيد ، و اعترف لك بشجاعتك وعنادك ، لكن هذه الشجاعة وهذا العناد لهما ثمن كبير  حتى تحصل على ما تريد  ؟
الشهيد خليل :  لن ترهبينني  بهكذا تهديد ، وكأنكِ  كنتِ تعتقدين مني أن أتراجع بقولك هذا ؟ لا  والله .  إعلمي ، إنما  نحن شيعة أهل البيت  نفحة من نفحات  عاشوراء ، نراها ببصيرتنا ؛ فتصير قلوبنا كزبر الحديد .
ومرة أخرى عاد خليل  الى القتال بعدما شفيت يده المقطوعة !
جاء خليل عبد الأمير مهرولا لساحة الميدان والقتال ، لعله يظفر بما يريده ويصادف المنية أمامه ليمسك بها ، لكن سرعان ما التفت عليه بحيلة أخرى ، فأصيب في عينه فكاد لا يبصر من شدة الضربة ، خَرَ خليل  على الأرض مغشيا عليه والدم أخذ مأخذه ، وإذا بعينه  عُميت تماماً !.

نظرت المَنية له وقالت : يا خليل ، أما آن لك ان تتعلم من دروسي  القاسية ، ومن ضرباتي  الموجعة لك ، لقد أتعبتني كثيرا ، ما أنت يا هذا ؟ ومن أنت ؟ ، كسرت ظهرك  عندما  أخذت منك أخيه بين يديك ، وبعدها قطعت لك يدك اليمنى ، والآن  ها هي  عينك قد ذهب بصرها ، قل لي بربك ، هل ما زالت تعاند وتصر على مواجهتي ..؟!
الشهيد خليل : وهو مبتسم ، ما زالت عندي عين واحدة أبصر بها ، فلن أتوقف عن اللحاق بكِ ما دمت أُبصر، وكلما وجهتي ضرباتك علي أكثر ، كلما زاد شوقي وحنيني لأخي ولما أبتغي .
بقت المَنية مذهولة ومتحيرة ، ماذا تصنع مع خليل هذا ، وهو بكل هذه العزيمة والعِناد ، فاتخذت أسلوبا مغايرا ، ذهبت إلى أقاربه وأهله وقالت لهم :
أمنعوه من الذهاب  الى الجبهة مرة أخرى ، فماذا عساه أن يفقد بعد كل  هذا ؟ .
استجابوا لها وقالوا لخليل : يا أخانا قد قدمت الكثير ، وجزاك الله عن الإسلام خير الجزاء ،  أما آن لك أن تقضي بقيت أيامك في بيتك ومع أولادك ، فهم في غاية الشوق إليك ، من كثرة ما  تتواجد في  الجبهات ؟
أجابهم خليل :  إني أبحث عن غاية وهدف منذ أن التحقت بركب  المجاهدين ، ومنذ أن سمعت بفتوى  نائب  الإمام ، وإلى الان لم أحصل  على مرادي ، ولن أترك المعركة حتى أحصل على ما أريد ، فلا تتعبوا أنفسكم في منعي .
رجع خليل الى المعركة مرة أخرى ، وبالتحديد في منطقة (الحويجة) ، حيث أخر أمل كان لخليل في ان يحوز على ما يتمناه ،  بينما  هو يقاتل وإذا بالمَنية وقفت أمامه ، وقالت له :
خليل ، إني خجلت منك ، وفخورة بنفس  الوقت ، خجلت لأني أتعبتك وقسوت عليك كثيرا بفقد أخيك ويدك وعينك ، وفخورة أني سأكون بين يدي شخص قل نظيره في  التأريخ ، يا خليل  ها أنا بين يدك  فأمسك بيدي لنذهب الى عليين .
 هنا بانت الفرحة المفقودة من وجه خليل منذ زمن طويل ، وقال لها :
ألم أقل لك أني سوف لن أقبل  إلا بهذا الكلام ، هيا بنا معا الى جِنان الخُلد .
أستشهد خليل عبد الأمير  الجليحاوي في قاطع الحويجة ، وأخذته المَنية  بعيدا عن دار  الدنيا ، وتمسك  بها خليل جيدا هذه المرة ، في اليوم الرابع من أكتوبر  عام 2017   وذهبت مع المَنية روح خليل الى عِنان السماء تدعوا الله تعالى أن يجعله في عليين ، مع محمد وأهل بيته الطاهرين .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


باقر جميل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/10/06



كتابة تعليق لموضوع : قصة شهيد أنا  والمَنية ، مطاردة حتى الموت ! .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net