صفحة الكاتب : محمد رضا عباس

وتبين ان " زوار الحسين سبب دمار البلاد"!!!
محمد رضا عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هذا ما صرح به فائق الشيخ علي وهو يتحدث عن الزيارة المليونية السنوية في ذكرى اربعينية الامام الحسين عليه السلام, تلك الزيارة التي أصبحت عنوان فخر العراق وادهشت العالم بكرم العراقيين والانضباط والتنظيم . حضرة النائب تجاهل جميع المزايا الإيجابية للزيارة وركز انتقاداته على  ان العشرين مليون زائر اصبحوا يشكلون عالة على الاقتصاد الوطني لانهم يأكلون ويشربون وينامون , وحتى المساج بالمجان , وبعد انتهاء الزيارة يتركوا ورائهم جبل من النفايات في كربلاء.

هنا لا اتحدث عن أهمية الزيارة من وجهة العقيدة الإسلامية وانما سأتركها الى أصحاب الاختصاص , و  اركز على هذه الزيارة الفريدة من نوعها في العالم من الناحية الاجتماعية والاقتصادية . ما فائدة الزيارة  الاجتماعية على الزاحفين نحو قبر أبو الاحرار؟ لقد وفقني الله و العائلة ان نشارك بهذه الزيارة قبل سنتين قادمين من الولايات المتحدة الامريكية  , الزوجة ذهبت مع اخوانها واخواتها وساروا حوالي خمسة كيلومترات مشيا على الاقدم لأداء الزيارة , بينما بدأت مسيرتي مع اخوتي وأبناء اخوتي من سدة الهندية باتجاه المرقد , أي حوالي 20 كيلو متر . كانت السرادق ( المضايف) على ضفتي النهر وهي تقدم مختلف أنواع الاكل و الشراب الى الماشين . من أنواع الاكل هو الطبق المعروف "التمن والقيمة " , الدولمة, الكباب , الكبة , الباقلاء , والحمص. بالحقيقة كان ماعون الباقلاء والحمص (لبلبي) سيد الموقف في سفرتي نحو المرقد ,بعد ان اصبح الجو باردا ليلا. المشروبات كانت قناني الماء, القهوة , العصائر  بكل أنواعه , إضافة الى سيد المشروبات العراقية , الشاي .

لماذا ذهبت الى هذه التفاصيل ؟ الجواب ان اغلب الماشين لم يكونوا من الفقراء واستطيع ان اجزم ان 99% من الذين كانوا يسيرون نحو الصحن الشريف يستطيعون الصرف على ما يحتاجونه من اكل وشرب . ولكن في مثل هذه الزيارة تنتهي الفوارق الطبقية ما بين الغني و الفقير والمتعلم والغير متعلم . انها فرصة يتعرف ابن بغداد بابن البصرة وابن العمارة بابن كربلاء وابن أربيل بابن الحلة . انها الفرصة التي تغيب فيها الانانية ويظهر الكرم في استقبال الغرباء و الحفاوة بهم والاطمئنان على راحتهم  وتقديم الطعام و الشراب لهم . لقد لاحظت حالات إنسانية فريدة في العالم , حيث يقف شخص على الطريق و يدعوا ناس لا يعرفهم الى بيته لأجل اخذ الراحة والغسل والنوم و يحجز سيارته الخاصة لهذا الغرض. ولقد شاهدت شباب بكامل اناقتهم وهم ينظفون احذية الزائر , وشاهدت شيخ عشيرة وهو يقدم القهوة للماشين , وشاهدت مواطنين يدعون الزائرين لتوصيلهم بسياراتهم مجانا . هذه الحالات الفريدة سيكون لها وقعا جميلا في قلوب الزوار الأجانب وحب وتقدير الزوار لأهل كربلاء . تصور ما وقع حالة ان يشاهد طفل معلمه وهو يقدم استكان الشاي الى الزائرين , وما هو وقع توزيع القهوة من قبل شيخ عشيرة على قلوب من يسقيهم القهوة ؟  هذا الاختلاط بين الكبير والصغير والمتعلم والغير متعلم والغني والفقير بمرور الزمن يخلق حالة  التعايش السلمي ويأسس أسس المحبة بين أبناء البلد الواحد . وبعد انتهاء الزيارة يخرج الزائر من كربلاء وهو محمل بذكريات طيبة ينقلها الى اخوانه واخواته وجيرانه. انها حالة إنسانية جميلة لا يمكن تعلمها من كتاب يدرس في مدرسة او جامعة .

زيارة الأربعين لا تعتبر عبء على الاقتصاد العراقي , وانما مناسبة لدعم الاقتصاد العراقي . الشيخ علي لا يفقه الاقتصاد وتعاريفه . سوف اتفق مع النائب شيخ علي لو ان العشرين مليون زائر الى كربلاء بمناسبة ذكرى الأربعين كلهم من الشحاذين . في مثل هذه الحالة ان هذا العدد الهائل منهم سيشكل عبء على الاقتصاد الوطني , لان هناك عشرين مليون مواطن يأكلون ولا ينتجون . ولكن الحقيقة , ان هؤلاء العشرين مليون من الزائرين من مختلف طبقات المجتمع , السواد الأعظم منهم هم من المنتجين , البقال, العطار, المعلم, , الفلاح , العامل ,المهندس, الطبيب, والموظف الحكومي. ثم ان المناسبة لا تطول اكثر من أربعة او خمسة أيام , وان من يطبخ لهم في كربلاء  قد خدم اقتصاد المحافظة , حيث ان اعداد الطعام يحتاج الى الرز واللحم و الخضرة, و أشياء كثيرة أخرى . بالحقيقة , ان بعض القطاعات الاقتصادية في كربلاء , تشكل أيام الاربعينية مصدر دخل مهم لهم مثل البقالين, القصابين, محلات الهدايا . الفنادق, و سواق وسائط النقل .

الشيخ على لو يعرف الاقتصاد لتذكر نظرية كينز الاقتصادية التي انقذت العالم من الكساد في أعوام الثلاثينات من القرن الماضي. لقد كانت وصفة كينز لمعالجة مرض الركود الاقتصادي هو زيادة مصاريف الدولة وذلك عن طريق فتح الشوارع وبناء الجسور و السدود , لان مثل هذه المشاريع تحتاج الى ايدي عاملة هائلة وان هذه المشاريع تدعم مشاريع اقتصادية أخرى مثل صناعة الحديد , السمنت, الاخشاب, المعدات الخفيفة والثقيلة , وعشرات أخرى من الصناعات. وعلى هذا المنوال , فان خلق مناسبات ضخمة مثل مناسبة زيارة الاربعينية او مناسبات الأعياد تعتبر محرك للاقتصاد المحلي والوطني. ما الفرق بين التأثير الاقتصادي للأعياد والتأثير الاقتصادي للمناسبات الدينية مثل اربعينية الامام الحسين ؟ لا يوجد اختلاف , لان في كلا الحالتين هناك من يصرف عليهما , وان هذا الصرف هو الذي يدعم الاقتصاد المحلي والوطني . اعتقد كان على النائب فائق الشيخ علي ان يقرأ كتاب اقتصاد للمرحلة الابتدائية قبل ان يدلي بتصريحاته .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد رضا عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/04/09



كتابة تعليق لموضوع : وتبين ان " زوار الحسين سبب دمار البلاد"!!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net