صفحة الكاتب : جعفر المحمدي

لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
جعفر المحمدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تأملات في آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) )الاعراف

       

ما ورد في الآيات القرآنية هو خطاب لبني ادم -ع- ليبين لهم خارطة الطريق التي يسيرون عليها وهذه الخارطة توضح ابتداءً ما يكون من شأن المخالفين وسوء مصيرهم -أعاذنا الله واياكم- ومن ثم جاءت تبين مقام ومكانة الذين أمنوا وعملوا الصالحات (اذ ان اسلوب القران هو عرض الطوائف المختلفة وبيان مصائرها جنباً الى جنب لتأكيد الموضوع وشرح أوضاعها عن طريق المقارنة والمقايسة)«[1]» وقد يتوهم البعض فيقول منهم قائل ما فائدة عدم التكلفة اذا كان الحديث عنهم في الجنة, لا مطلقا ليس في الجنة, فالجنة لا تكاليف فيها, إنما هي رخاء دائم وهذا الربط في الآية (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) هو ربط سببي, أي لأنهم أمنوا وعملوا الصالحات –هنا نلاحظ إقتران الايمان بالعمل الصالح هو المطلوب ليس فقط ايمان بدون عمل ولا عمل بدون ايمان«[2]» - لا يكلفهم الله –عز وجل- في الدنيا إلا بما وسعت أنفسهم والمقصود بكلمة الوسع أي الطاقة يقال : ليس في وسعه ان يفعل كذا أي لا يـقـدر، ثم يكون جزاؤهم الخلود في الجنة.

         وقد وردت هذه الجملة كجملة اعتراضية بين المبتدأ والخبر وقد حسن الاعتراض هنا لأنه من جنس الكلام«[3]»,  وهذا يوضح الكثير من الابهامات (إذ يؤكد بأنه لا ينبغي لأحد ان يتصور بأن الايمان بالمولى والاتيان بالعمل الصالح وسلوك سبيل المؤمنين امر متعسر غير مقدور عليه إلا لأفراد معدودين, لأن التكاليف الالهية في حدود الطاقة البشرية وليس اكثر منها)«[4]».

      اذكر عندما كنا فتياناً, أيام الدراسة المتوسطة, كان معي زميل يؤدي الصلاة والتكاليف الشرعية –ونحن في بداية مشوار التكليف آنذاك- لكنه لا يصوم شهر رمضن المبارك ويستند الى الآية (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) وعندما الححنا عليه قال انه مريض ولا يستطيع, بينما هو يتمتع بصحة اكبر من اغلب الزملاء وكثيرا ما كان يشاغب ويفتعل المشاكل ويمارس الرياضة كالركض ولعب كرة القدم والصراع ويبقى طول فترة الدوام وحتى الى ما بعد فترة الدوام حيث يبقى يلعب وكل تلك المدة لا يأكل ولا حتى يشرب الماء او العصائر, وعندما نسأله عن السبب في عدم الصيام يتذرع بالمرض حيناً وعدم الاستطاعة حيناً اخر, ويقول قد لا تجب التكاليف على كل الامة لأنه من لا يستطيع تسقط عنه التكاليف!!.

       وما اكثر هؤلاء في زماننا, الذين يقولون كلمة حق يراد بها باطل, قد ترى من يتمتع بالطاقة الجسمانية والصحة البدنية لكن نفسه عليلة, او قد اوهم نفسه بالأعذار الواهية, وما هذه التصرفات إلا بيان بأن الانسان يحاول مصادرة عقله ويعارض المنطق والواقع بل يعارض الطبيعة الانسانية بهذا الوهم الذي يتبناه وقد يبين لك انه مقتنع به تماماً لكن الواقع غير ذلك انما يحاول الهروب بهذه الاعذار (فالتكليف من الله هو ارادة ما فيه مشقه) «[5]» , وهذا ما أشارت إليه الآيات التي وردت عبارة عدم التكلفة وقد تكون أوضحها قوله تعالى على لسان نبيه المصطفى -ص- (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)ص) أي عدم المشقة في التكاليف الشرعية, بل حتى في التبليغ-كما سنبين لاحقاً- إذ (ان المؤاخذة على ما في الوسع والطاقة)«[6]» .

       يروى انه كان للإمام جعفر الصادق -ع- اصحاب كُثر وربما تأخروا عنده الى وقت الغداء, فيقدم إليهم الطعام، فحيناً يقدم الخبز والخل, وحيناً بأطيب مأكل, فسأله واحد منهم عن ذلك؟ فقال: ان وِسِعَ وسعنا, وان ضِيقَ ضيقنا. «[7]»

ومن أجل البحث العلمي لابد ان نصنف عدم التكلفة حسب ما ورد في القرآن الكريم:

  1. عدم التكلفة في الايمان والعمل الصالح: أي العمل المرتبط بهذا الايمان -الاعتقاد- وهو ما اشارت اليه الآية التي مدار بحثنا هذا حيث اشارت الى عدم التكلفة للذين أمنوا ثم عملوا لهذا الاعتقاد أي (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها الا ما يسعه قدرتها، أو ما دون مدى طاقتها ويكون يسيرا عليها لقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وفيه تصريح بعدم وقوع التكليف بالمحال) «[8]»   وكذلك ما رود في اخر سورة البقرة ايضاً يدل على الاعتقاد الصحيح والعمل بهذا الاعتقاد قال تعالى: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286))  وما يدل على ان عدم التكلفة في الاعتقاد في الروايات فهو فهو اكثر من ان يحصى ولذا نستعين برواية واحدة وهي ما روي (عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة ولا تقبلوا له شهادة، إن الله تبارك وتعالى يقول: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " ولا يحمل فوق طاقتها " ولا تكسب كل نفس إلا عليها " " ولا تزر وازرة وز أخرى ") «[9]».

 

 

 

 

  1. عدم التكلفة في النفقة: وهذا ما نجده في آيات تتحدث عن ذلك صراحة, كما نجد ان هنالك تناظر في الآيات التي قد ترد فيها نفس العبارة او تحمل نفس المعنى حيث يفسر القران بعضه بعضاً, وخير مثال ما ورد في عدم التكلفة في النفقة في الآية رقم 233 من سورة البقرة وهي ((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) ونظيرتها الآية 7 من سورة الطلاق (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)) يتبين لنا ان هاتين الآيتين فيمها تبيان لعدم التكلفة في الانفاق وقد ورد الانفاق صراحة في الآية السابعة من سورة الطلاق في صيغة الفعل المضارع المجزوم لأنه مسبوق بـ (لام الامر) ودلالة ظهور الكلام في هذه الحالة صيغة للأمر.

 

  1. عدم التكلفة في القتال: الحياة تحتاج لقتال مستمر, مرة يقاتل من اجل لقمة العيش, ومرة يقاتل من اجل إثبات ذاته, ومرة محاربة النفس الامارة بالسوء, وكل هذا لم تصرح به الآية التي بينت عدم التكلفة في القتال, وانما انصب موضوعها في القتال من اجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل, من مجاهدة المشركين وقتال الكافرين، بل وحتى المنحرفين عن الجادة الصحيحة وهو ما اشارت إليه الآية المباركة (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84))النساء.

       واما معنى قوله تعالى: (لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) أي انه (غير مسؤول, ولا مكلف بأعمال غيره, وإنما هو مكلف بأعمال نفسه فقط) «[10]»  وافضل مثال على ذلك براءة النبي -ع- من افعال خالد بن الوليد حينما اُرسِلَ الى بني جذيمة والقصة هي (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد حين فتح مكة داعيًا ولم يبعثه مقاتلاً، ومعه قبائل من العرب فوصلوا "بني جَذِيمة"، فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا.

      فقال رجل من بني جذيمة: ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسر، وما بعد الأسر إلا ضرب الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدًا.

قال فأخذه رجال من قومه، فقالوا: أتريد أن تسفك دماءنا، إن الناس قد أسلموا ووضعت الحرب وأمن الناس، فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه، ووضع القوم سلاحهم لقول خالد.

        فلما وضعوا السلاح، أمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء ثم قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد" وأسرع رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر, فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال: "يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك"، فخرج عليّ حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع لهم دية الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى إنه دفع لهم ثمن إناء الكلب الذي يشرب فيه، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي حين فرغ منهم: هل بقي لكم دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا لا، قال فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون.

ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فقال "أصبت وأحسنت"، ثم قام الرسول فاستقبل القبلة قائمًا شاهرًا يديه حتى إنه ليرى ما تحت منكبيه يقول "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد"، ثلاث مرات) «[11]».

 

  1. عدم التكلفة في مال اليتيم والميزان بالقسط: هنا جاءت الآية تبين ان حق اليتيم لا بد ان يحفظ والتقرب إليه –أي المال- من اجل ان يكون احسن لليتيم لأنه قد يُفَرط في ماله مستقبلاً او قد تسقط قيمة المال اذا حُفِظَ, لذا لابد ان يستثمر من اجل مستقبل اليتيم وعدم التكلفة في الإبتعاد عن هذا المال فالآية صريحة وهي: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153))الانعام

        والموضوع المهم الاخر التي اشارت اليه الآية هو عدم التكلفة في الميزان والوزن بالقسط أي بالعدالة -لان بعض النفوس شحيحة للأسف- أي (لا تبخسوا الناس الكيلَ إذا كلتموهم، والوزنَ إذا وزنتموهم, ولكن أوفوهم حقوقهم. وإيفاؤهم ذلك، إعطاؤهم حقوقهم تامة) «[12]» (لا نكلف نفسًا، من إيفاء الكيل والوزن، إلا ما يسعها فيحلّ لها ولا تحرَجُ فيه , وذلك أن الله جل ثناؤه، علم من عباده أن كثيرًا منهم تَضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما لا يجبُ عليها له, فأمر المعطي بإيفاء رب الحق حقَّه الذي هو له، ولم يكلِّفه الزيادة، لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها. وأمر الذي له الحق، بأخذ حقه، ولم يكلفه الرضا بأقل منه, لما في النقصان عنه من ضيق نفسه, فلم يكلف نفسًا منهما إلا ما لا حرج فيه ولا ضيق) «[13]»  وما ان قرأت الآية إلا وذكرت أيام الصبى وما يفعله المرحوم جدي وكان لديه محل بقالة فكان عندما يزن المطلوب يجعل كفة البقالة اكثر من كفة العيار -الوزن- ثم بعد ذلك يحتاط فيضيف في الكيس مما طلب الزبون, وكنت حينها لا اعي لما يتكلف في الاحتياط لكنني الان فهمت انه يحاول ان لا يجعل للأخرين عليه حقاً, وهو عكس ما اشاهده في بعض الاسواق اليوم حيث ترى هنالك تلاعب بالميزان.                 

 

 

 

 

  1. عدم التكلفة في المسارعة للخيرات: والآيات التي اشارت الى ذلك تكمن في سورة المؤمنين وهي: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63))  , (والمعنى ان هؤلاء الذين توافرت فيهم هذه الخلال يسرعون الى طاعة الله ، ولا يتوانون ، وهم من أجل ذلك يسبقون الناس غدا الى الجنة (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) لأن تكليف ما لا يطاق ظلم ، والله الذي نهى عن الظلم لا يفعله) «[14]»  روي عن أبي عبد الله -ع- قال: ما أمر العباد إلا بدون سعتهم، وفي كل شيء أمر الناس بأخذه فهم متسعون له، وما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم, وهنالك في نفس المضمار لكن في الجهة الاخرى من يسارع الى الكفر-أبعدنا الله وإياكم عنهم- قال تعالى: (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176))ال عمران.

 

 

 

  1. عدم التكلفة في التبليغ:   واشارت إليه الآية 86 في سورة ص قال تعالى على لسان نبيه الاكرم -ص- :  (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)), التبليغ يحتاج الى معطيات كثيرة واهمها قوة شخصية المبلغ وشدة ارادته, وتجد في مجال التبليغ من يتكلف، ولعدة اسباب اوضحها لأن شخصيته لا تتوافق مع التبليغ, او كيفية احتواء المجتمع, او اسلوب التبليغ لديه غير صحيح، او الظروف المحيطة بعملية التبليغ تتحتم ذلك التكلف لكننا نرى الحبيب المصطفى -ص- يبين انه غير متكلف كما وضحت الآيات, وهذه الآية ترتبط وتتشابه كثيرا مع مقطع من الآية الواردة في سورة الشورى رقم (23) وهي قوله تعالى ايضاً على لسان حبيبه المصطفى -ص- (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ولو تأملنا هذه الآيات كأنها تقول: قل ما أسئلكم عليه من أجر على التبليغ وما أنا من المتكلفين المتصنعين، ففي الكافي ورد عن الامام الباقر -ع- قال لأعداء الله أولياء الشيطان أهل التكذيب والإنكار قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين يقول متكلفا أن أسألكم ما لستم بأهله فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض أما يكفي محمداً صلى الله عليه وآله أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحملَ أهل بيته على رقابنا فقالوا ما أنزل الله هذا وما هو إلا شيء يتقوله يريد ان يرفع أهل بيته على رقابنا ولئن قتل محمد صلى الله عليه وآله أو مات لننزعنها من أهل بيته ثم لا نعيدها فيهم أبدا «[15]»  اذن معنى التكلف الغموض في الكلام وكأنه يقول (أنا لست من المتكلّفين، فكلامي مستند على الأدلّة والمنطق، ولا يوجد فيه أي تكلّف، وعباراتي واضحة وكلامي خال من الغموض ) «[16]»   إذ ان (المتكلّفين خارجون عن جادّة الحقّ والعدالة والصدق والأمانة، وأنّهم لا يرون الحقائق أمام أعينهم، ويتشبّثون بالأوهام والخيال، ينبّؤون بأُمور ليسوا على إطّلاع بها، ويتدخّلون بأُمور لا يعرفونها، لهم ظاهر وباطن، وحضورهم وغيابهم متضادّ، يتعبون أنفسهم ويجهدونها، ولكنّهم لا يحصدون سوى الخيبة والخسران، أمّا المتّقون والصالحون فإنّهم مطهّرون من هذه الصفة ومنزّهون عنها) «[17]»

 

 

       اللهم تقبل منا هذا القليل, اللهم اجعلنا ممن يسارعون في الخيرات, ولا تكلفنا ما لا طاقة لنا به, رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ, واخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 

                                             جعفر المحمدي

                                       9/رجب الاصب/1441هـ

                                          الخميس 5/3/2020م

 

[1]الشيرازي , مكارم /تفسير الامثل في تفسير كتاب الله المنزل /الناشر مدرسة الامام علي /مطبعة امير المؤمنين ع/ط1/ ايران- قم/1379هـ.ش – 1421هـ.ق /المجلد الخامس/ص45.

[2]للمزيد راجع مقالنا في سورة العصر.

[3]للمزيد راجع الدرويش, محي الدين /اعراب القران وبيانه/ ذوي القربى/ ط2/ قم/ مطبعة سليمانزادة/ 1435ه .ق-1393ه.ش/ ج2/ ص554.

[4]الشيرازي , مكارم /تفسير الامثل في تفسير كتاب الله المنزل /الناشر مدرسة الامام علي /مطبعة امير المؤمنين ع/ط1/ ايران- قم/1379هـ.ش – 1421هـ.ق /المجلد الخامس/ص46.

[5]الطوسي. ابو جعفر محمد بن الحسن /التبيان في تفسير القران/تح احمد قصير العاملي/ الناشر مكتبة الامين/مطبعة النعمان –النجف الاشرف /1964م-1483هـ/المجلد الرابع  /ص402.

[6]للمزيد راجع الدرويش, محي الدين /اعراب القران وبيانه/ ذوي القربى/ ط2/ قم/ مطبعة سليمانزادة/ 1435ه .ق-1393ه.ش/ ج3/ ص386.

[7]  مغنية, محمد جواد, تفسير الكشاف, دار الانوار, بيروت, ط4، المجلد الاول, ص358.

[8] من تفسير الآية 286 / تفسير كنز الدقائق  للميرزا محمد المشهدي القمي (قدس سره) /موقع هدى القران الالكتروني .

[9] نفس المصدر .

[10]  مغنية, محمد جواد, تفسير الكشاف, دار الانوار, بيروت, ط4، ج2, ص393.

[11] القصة مأخوذة من الموقع الرسمي لـ (عمرو خالد) بتصرف.  

[12] تفسير الطبري/ المصحف الإلكتروني/ جامعة الملك فهد/ ص149.  

[13] نفس المصدر السابق.  

[14] مغنية, محمد جواد, تفسير الكشاف, دار الانوار, بيروت, ط4، ج5,ص376.

[15] من تفسير الآية 86 من سورة ص / تفسير الصافي/ للشيخ محسن الفيض الكاشاني (قدس سره) /موقع هدى القران الالكتروني، بتصرف .

[16] من تفسير الآية 86 من سورة ص / تفسير الامثل في كتاب الله المنزل/ للشيخ مكارم الشيرازي/موقع هدى القران الالكتروني .

[17] من تفسير الآية 86 من سورة ص / تفسير الامثل في كتاب الله المنزل/موقع هدى القران الالكتروني .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جعفر المحمدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/04/12



كتابة تعليق لموضوع : لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net