صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

الأنا والرمز في قصيدة الملاذ للشاعر عودة ضاحي التميمي
علي حسين الخباز

 
   الملاذ هو عنوان إحدى قصائد الشاعر عودة ضاحي التميمي المهمة في تاريخه الشعري، ولعنوان القصيدة ظلال في عنوان المجموعة (حينها يورق الملاذ) وله أثر في معمار القصيدة وفي روحيتها، أضافت للبعد الجمالي والدلالي الكثير من تجليات الأنا وقوة الرمز ليتحول مضمون الهوية بأبعادها الدينية والثقافية والإنسانية ،علاقة الأنا بالملاذ (الحسين عليه السلام) ،تتواشج العلاقة لتظهر في أغلب الفروع الإنسانية، الأنا والحسين وفلسفة الإنتماء ،الأنا والحسين والمدرك العقلي والروحي من خلال تمسكه بالرمز لاستنهاض وعي الذات والوجود

(بك أحتمي من كل خطب أحتمي
لك أنتمي وجوارحي لك تنتمي)
بهذا الملاذ المبارك ندرك معنى الوجود ،
خطوب و عملية الاحتماء بالملاذ ،جوارح كلها تنتمي له،
الملاذ ليس رمزًا فحسب بل هو التصور والمعنى والمعتقد.
والرمز الحسيني يحمل معنى يشترك في فهمه جميع الناس وهذا يسهل عملية التفاعل وإدراك المعنى عبر الشعرية العالية  للوصول إلى العمق الدلالي
(،قد زاحمتني في هواك مواجعي
ودمي أحاوره فيصفعني دمي).

الأنا تعني معرفة الذات وإدراكها لتبرز كعنوان يتكون من علاقة هذه الأنا والرمز الحسيني ، وجود الطف الحسيني المبارك كواقعة ربطت هذه العلاقة بين الأنا والرمز
(أنا صرخة عاشت بلا جنسية
بالطف مذ جنستها قلت أقدمي
أنا كالقصيدة إذ تغادر بوحها
أو كالكلام الخانع المستسلم)
الدلالة الاستعارية أبلغ من لغة التصريح ،تتمكن من نفس المتلقي وتؤدي غرض الرسالة التي تحملها
(إن لم أفاخر بالحسين كثائر
لا أن أقوسه بدمع المأتم)
صاغ الشاعر عودة ضاحي التميمي معادلة الموضوع  بصور تجسده على أبلغ وجه ، هي أعمق من التصريح فلنتأمل في (قوسه ) التقويس تسديد السهم نحو الحسين عليه السلام ، صورة مؤثرة ،والسهام دمع  المأتم،
شاعر حسيني وتلميذ من تلامذة  الشاعر( كاظم المنظور)رحمه الله  ولديه إصدار (دماء على وجه كربلاء) شعر منبري بستة أجزاء، ومجموعتين شعر شعبي تبين علاقته الحميمية بكربلاء ،أصوات من كربلاء ،والليل وكربلاء والناس  ،مجموعة سيدة الحزن المبجل ولكم أنتمي وعلى الطريق إليكم ومجموعة نصوص نثرية ودعني كي ألقاك .
استعنت بهذا الجرد الإحصائي لأصل لمعنى (اقوسه بدمع المأتم) ينقسم الشعر الحسيني الولائي إلى نوعين ، المصائبي والثاني فكري ،والشاعر عودة ضاحي التميمي  يحث على الإقتداء بالحسين فكرًا وعقيدة وإظهار ملامح الفخر والشجاعة، علينا أن نبتعد عن رسائل الموتى مع الحسين عليه السلام ، امتلكت هذه الجملة الشعرية جمالية الانزياح لتحقق الصورة في الاستعارة بجعل المتلقي يتفاعل مع الدلالة ،علينا أن لا نتعامل مع الحسين عليه السلام كما نتعامل مع الأموات ،ونكتب له الرثائيات فقط،
(فهنا حسين قد أزاح بنزفه
كل الهوان السائد المستحكم)
لا يمكن أن نصل إلى معنى الرفض الحسيني بالرثاء وحده ،لا يمكن أن نجسد العناد الحسيني ولا الصرخة الحسينية التي هزت مضاجع الحكومات لقرون.  نجد الشاعر يستخدم ياء النداء لتعبر عن عمق الإنتماء والهوية وتعزز المدى التأثيري للقصيدة
(يا واهبًا لي من دماك تميمة
النبع أنت بخاطري وأنا الظمي
حين استطال الظلم حطم أحرفي 
لكن جراحك في المدى كانت فمي)
تميل بنية نص الملاذ إلى آلية السرد المشبع بالانزياح لتصل إلى لواعج العشق الحسيني، وليطل منا على هوية الشاعر وأناه؛ يبدأ السرد بجمل فعلية إخبارية 
(فزحفت في شوقي وعشقي منشدًا
وجع القصائد في شجون المغرم)
الغضب النبيل الذي يتفجر بخاطر الشعر والشاعر، لتدوي حينها أناه ، تحمل سمات الحراك الشعوري وخروج الذات إلى الواقع لتكون هذه الأنا حلم الإنتماء 
(فانا حسيني وهذا منبعي
ولكربلاء قصائدي وترنمي)
يتخذ الوصف طريقًا لتوصيل الفكرة بأسلوب غير مباشر لأثراء النص ومنحه عمقًا جماليًا وبعد دلالي يترك مساحة للتفكير ويعبر عن موقف الشاعر النفسي كون الشعر هو دفقة شعورية
 (شاخ الظلام المر في حدقاتنا
وجراحنا بالنزف صارت تحتمي)
بعيدًا عن تفسير القصيدة نظرنا إلى دلالات تلك العواطف والأحاسيس ،
شعر يحلم بتجاوز الحدود التقليدية  ليستطيع مس أعمق المشاعر ،ويفتح باب الاستفهام الساعي لإيصال دلالات ومعان ولا يطلب الفهم عن شيء يجهله وإنما وسيلة من وسائل اتساع المعنى
(ماذا ترانا فاعلين بنزفنا
كي نرتقي بجراحنا للأنجم)
الارتقاء بالجراح إلى الأنجم معنى تلاحم الفكرة مع الوجود الحسيني الذي ارتقى بجراحه إلى فضاءات الخلود ليبني مجد أمة، 
(الليل غول والطريق مخالب
ودود يعثو في جراح البرعم)
أساليب بلاغية لمعرفة الصور التي رسمها الشاعر عبر الانزياح لاستخراج المكنون الذي يتجلى بولادة الطف العظيمة
(واليك نشكو يا حسين جفافنا
فلقد عرفناك استفاقة زمزم)
وهذه العوالم الشعرية التي عشناها مع النص تخلق في ذهن المتلقي صورًا مؤثرة
(صورة التضحية)
(يا غصن زيتون بجنح حمامة
يا بسمة في ليل حزن مظلم
منك ارتشفنا التضحيات بصبرنا
ولنا مزاجا صار حسن المقدم)
قدرة تعبير عن مكنونات النفس وتعدد المعاني والأفكار والانزياح المتقن وصولا إلى المعنى ، الشاعر عودة ضاحي التميمي لديه مهارة رسام ولوحات جميلة سخرها في هذه القصيدة
(يا غصن زيتون بجنح حمامة)

صورة في غاية الدقة ومن هذه الجمالية العالية انبثق الصبر لنرتشف تضحيات الحسين عليه السلام
(صورة الطواف)
(حجت إلى وهج الطفوف نفوسنا
ودماؤنا طافت طواف المحرم)

وهناك صور كثيرة جسدت طلب الشاعر من الرمز ليظهر قيمة الأمل والحضور الإنساني
(خذنا إلى شرف الشهادة علّنا
نسمو ليبصر نزفنا من قد عمي)
جمالية هذه القصيدة استوقفتني كثيرًا فالمعذرة إذا أطلت المقام.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/01/15



كتابة تعليق لموضوع : الأنا والرمز في قصيدة الملاذ للشاعر عودة ضاحي التميمي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net