ترييف المدن وتدمير الريف
د . ميثم مرتضى الكناني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . ميثم مرتضى الكناني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الريف منظومة من العادات والقيم والاعراف منها ماهو جيد ومنها ماهو سئ , وبعيدا عن تقييم ومحاكمة هذه المنظومة على مشرحة النقد , فان بناء اي مجتمع بناء حضاريا يحتاج الى عناصر اهمها الاستقرارالعام للدولة والدينامية الذاتية التي تسمح بالمراجعة والتنقيح للتجربة والعنصر الثالث هو الاخذ بالنهج العلمي للادارة ومن خلال هذه العناصر الثلاثة الاستقرار والحركية واتباع النهج العلمي نستطيع كمجوعة بشرية ان نرتقي ونتقدم , لوتصفحنا تاريخ العراق المعاصر بداءا بعهد السلطة العثمانية التي لم تترك اي مقوم من مقومات الحضارة والتمدن في المجتمع بخلاف بعض الجزر البشرية من العوائل الارستقراطية المرتبطة منفعيا او روحيا بالسلطة فيما يغرق جل المجتمع في غياهب الجهل والتخلف والانقسام لم يشهد العراق بناء حقيقيا لدولة الحقوق والواجبات وانما تعاقبت على حكم العراقيين سلسلة من النظم المستبدة مرة باسم الحق الوراثي والملكية الدستورية المزعومة وتارة اخرى باسم الشرعية الثورية والخطاب الايدلوجي المكثف الذي يقدم كل شئ على المواطن وحقوقه البسيطة بالامن والحرية والعيش الكريم ,ولم يغير المستعمر البريطاني في بداية القرن الماضي ولا الاميركي في بداية هذا القرن كثيرا من هذا الواقع وكاننا نعيش ذات السيناريو الذي عاشه جيل الاباء في القرن الماضي ونتتبع خطواته وفصوله ولو على كراهة فيما يصح تسميته بالتطور الطبيعي للعراق من وضع الادارة الاستعمارية المباشرة فالانتداب ومن ثم الاستقلال الظاهري والارتهان الفعلي لارادة المستعمر عبر ادواته المحلية لقد كان لهذا التطور فضل في تصاعد الوعي لدى الشرائح المثقفة من ابناء الطبقة الوسطى الامر الذي عجل في قيام ثورة14 تموز الخالدة عام 1958 والتي ارادت بناء مجتمع حر وعصري يقوم على اساس الانسان المواطن وكان من ثمار الثورة الاجهاز على الة القمع العشائرية المتخلفة التي كانت شريكافعليا في كل جرائم المستعمر وزمرته المنصبة من قبله على رقاب الشعب ولكن سرعان ماانبرت قوى الغدر لتجهز على الثورة وقائدها وتعيد انتاج حالة الاستعباد للشعب وسرقة ثرواته واستباحة مقدراته من قبل الزمرة النفعية الحاكمة ان مشكلة هجرة ابناء الريف للمدينة ليست مشكلة عراقية متفردة وانما تشاركنا فيها كل الدول التي تشترك معنا في ظروف الحكم الاستبدادي وغياب الديمقراطية واستشراء الفساد حيث ينعدم التخطيط الاستراتيجي وتهمل المشاريع الصناعية والزراعية ويتعطل الابداع بفعل استيلاء الجهلة على مواقع القرار مايعني بعثرة الجهود والثروات على الامور والمشاريع الكمالية واستنزاف المقدرات على كل ماهو سطحي فيتعطل الاقتصاد وتنتشر البطالة وتتفسخ مؤسسات الدولة وتتحول الى دكاكين للاتجار بالمال العام المنهوب فيطبق الفقر على اعناق الاكثرية ويبدا بالاقل دخلا والاكثر محرومية ومايرافق ذلك من نسب عالية من الامية مايجعل هذه المجاميع مشاريع للجريمة والانفجار رهن الصدفة او المناسبة . ان اكبر موجتين من موجات الهجرة من الريف الى المدينة كانت تلك التي شهدها العراق في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي وكان اغلبها من المحافظات الجنوبية _(ناصرية عمارة ) باتجاه بغداد لاسباب عديدة ويقف على راسهااولا : الهروب من سلطة الاقطاع وقسوته وظلمه وثانيا انعدام فرص العيش في الريف بسبب الاهمال الحكومي للمشاريع الاروائية من سدود وخزانات ومشاريع بزل التي تحتاجها الزراعة فضلا عن غياب المشاريع الخدمية التي تساعد الفلاح على الاستمرار في ارضه وعدم مبارحتها ,اما الموجة الثانية فقد بدات عام 1980 اما بسب مباشر للحرب من خلال لجوء سكان المناطق الريفية على الحدود الى مراكز المدن الاكثر امنا او بسبب غير مباشر من خلال منح الحكومة ذوي ضحايا الحرب من شهداء واسرى ومعوقين قطع اراضي وامتيازات مادية اخرى سهلت لذويهم السكن في مراكز المدن مامثل هجرة تعد هي الاكبر بعد هجرة الاربعينات من القرن الماضي, وشهدت مرحلة التسعينات من القرن الماضي فرض الحصار الدولي على العراق بعد غزو الكويت عام 1990 ماشكل فصلا اخر من فصول النزوح نحو المدن الكبيرة بسبب عاملين رئيسيين اولهما تجفيف الاهوار في الجنوب واجبارمئات العوائل الريفية في الجنوب على تغيير مواقع سكناها بحثا عن ظروف حياة بديلة والسبب الاخر كان تردي الاوضاع المعيشية في المدن العراقية عامة وخاصة في المدن الجنوبية الاكثر فقرا ماسبب هجرة وبعداد كبيرة باتجاه العاصمة بغداد للعيش والعمل
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat