الفرق الإسلامية: الجبرية
السيد يوسف البيومي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يعود تأسيس هذه الفرقة إلى دولة بني أمية وذلك لكي يبرروا تسلطهم على خلق الله وأن ذلك هو إرادة الله عز وجل ولن تجد للإرادة الله من تبديل. فقاموا بتأويل بعض آيات القرآن الكريم بما يفيد عقيدة الجبر والتسيير الآلهي للبشر ونزع الإرادة عنهم، كل هذا ليثبتوا لجمهور العوام أن ما يصنعونه ما هو إلا من قضاء الله تعالى وقدره، وليس بيد أحد تغييره، حتى أن وجودهم في السلطة والحكم فهذا من الله تعالى فهو الذي جاء بهم إلى الملك وملكهم على رقاب البشر، وهذا لأن الله تعالى قال في كتابه العزيز: { قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. وعلى هذة الشاكلة ليكونوا أبرياء من كل ما صدر عنهم وما ارتكبته إيديهم وفي نيتهم انتزاع السلطة والحكم من أصحابه الحقيقين، وبالتالي، هذا يخولهم أن يصنعوا ما بدا لهم دون حسيب أو رقيب وقد ساقوا لهذا الهدف المرويات المكذوبة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن هذه الروايات المزعومة أنقل لكم على سبيل المثال لا حصر:
عن حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟".
قَالَ (صلى الله عليه وآله): "نَعَمْ".
قُلْتُ: "هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟".
قَالَ (صلى الله عليه وآله): "نَعَمْ".
قُلْتُ: "فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟".
قَالَ (صلى الله عليه وآله): "نَعَمْ".
قُلْتُ: "كَيْفَ؟".
قَالَ (صلى الله عليه وآله): "يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ".
قُلْتُ: "كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟".
قَالَ (صلى الله عليه وآله): "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ".
فانظر إلى هذه العينة من الروايات التي لا يمكن للعقل أو الوجدان أن يتقبلها وقد روجت بين عوام المسلمين كل هذا لتثبيت حكم بني أمية.
ما هو قوام هذه الفرقة:
نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الرب تعالى، وأن العبد لا فعل له، وإضافة الفعل إليه بمنزلة إضافته إلى المجازات، كجريان النهر ودوران الرحا.
الجبر في اللغة: هو القهر والإكراه.
وأما من عمل ـ من بين الوعاظ السلاطين ـ لهذا المذهب الباطل ونشره بين المسلمين هو "الجعد بن درهم". وكان مؤدب "مروان بن محمد" آخر خلفاء بني أمية، ولذا كان يلقب بـ "مروان الجعدي" أو بـ "مروان الحمار" لأنه تعلم من "الجعد" مذهبه في القول بالجبرية وغيرها من العقائد الفاسدة.
ويجب أن يكون معلوماً للقارئ الكريم أن "العقيدة الجبرية" هي من بقايا عقائد أهل الكتاب، وقد صرحت بها كتبهم بصورة واضحة ولا تحتاج للنقاش.
وراجع: التوراة، والتلمود، والإنجيل..
وقال تعالى في صدد إظهار تبيان عقائد هؤلاء: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ المُبِينُ}.
أهم عقائد "الجبرية":
1 ـ الاعتقاد بأن معاصي العباد وطاعاتهم من الله سبحانه وتعالى، وأما الناس لا خيار لها، ولا يملكون من أمرهم أي شيء، وإنما لهم الكسب كما ذهب إليه بعضهم.
2 ـ التمسك بظواهر بعض الآيات التي وردت في القرآن الكريم واستدلوا بها على أن الهداية والضلال في يد الله سبحانه وتعالى وحده، ومنها قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}.
3 ـ ويعتقدون أن الحسنة والسيئة من عند الله، واستدلوا على هذا بقول الله تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}.
4 ـ ومن عقائدهم أن الله عز وجل من خلق أفعال عباده، ويستدلون على هذا بقوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}. وبهذا فإنهم حاولوا أن يثبتوا فعل الله عز وجل وتأثيره على حركة الكون وأفعال الاِنسان. وقد أطلق عليهم إضافة إلى "الجبرية" لقب "القدرية" لاَنهم يؤمنون بوجود سلطة لله تعالى على أفعال الاِنسان وحركة الطبيعة بشكل من الاشكال.
ومن آثار "العقيدة الجبرية" على المسلمين، التالي:
أولاً: نسبة كل ما هو ناقص وقبيح الى الله عز وجل ومما يجعلها من صفاته والعياذ بالله.
ثانياً: إن هذه العقيدة تعمل على بطلان (قاعدة الثواب والعقاب)، وينسب الظلم لله عز وجل والعياذ بالله.
ثالثاً: إن "العقيدة الجبرية" تدفع إلى التسوية بين المتناقضات والمتضادات المنطقية، فيصبح الجميع في كفة واحدة، وبذلك يصبح المؤمن كالكافر، والمفسد كالمصلح كلهم سواسية.
رابعاً: من مضار هذه "العقيدة الجبرية" نها تصور بأن "التكليف بما لا يطاق" شيء عادي، وأن ذلك من دواعي الجبر.
خامساً: حسب هذه "العقيدة الجبرية" يصبح الدعاء شيء عبثي لا فائدة ترتجى منه، وذلك لأن المطلوب من وراء الدعاء هو: إن كان معلوم الوقوع فلا حاجة إليه وسبب هو إرادة الله القاهرة، وإن كان غير معلوم الوقوع فلا فائدة منه وهو عمل عبثي لأن المكتوب لا بد منه والدعاء لن يدفع وما هو مجبر على الإنسان من فعله.
وفي النهاية، وبعد عرض الآفات والمشاكل التي وقع بها أصحاب هذه الفرقة، فإننا نتوجه من القراء الكرام انتظرنا للمقالة التالية لكي نرى عقائد آخرى لفرق إسلامية آخرى، والله الموفق..
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
السيد يوسف البيومي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat