الدعوة الصامتة: سبيل إلى الله
السيد يوسف البيومي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن طرق الدعوة إلى الله عز وجل وإلى أهل البيت (عليهم السلام) هي كثيرة ومتعددة ومختلفة، ولكننا لا يمكن أن نغفل أحد أهم تلك الوسائل التي أمرنا أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن نعتمدها لأثرها الكبير والعظيم على نفوس الناس..
ومن هذه الأساليب هي:"الدعوة الصامتة".
قد يستغرب البعض هذه التسمية، أو قد يقول البعض الآخر أن مثل هذا الأسلوب ليس له هذا التأثير، ولكنني سوف أحاول في هذه المقالة المتواضعة أن أبين هذا الأسلوب والأطر التي يعتمد عليها..
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "كونوا دعاة لنا صامتين".
وقال (عليه السلام): "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم".
وقال (عليه السلام): "كونوا زينا لنا، ولا تكونوا شيناً علينا".
وقال الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام): "رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً حَبَّبَنَا إِلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَغِّضْنَا إِلَيْهِمْ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ يَرْوُونَ مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَكَانُوا بِهِ أَعَزَّ وَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ أَحَدُهُمْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيَحُطُّ إِلَيْهَا عَشْراً".
بعد أن عرضنا كوكبة من أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) سوف نبحث بالأطر التطبيقية لتلك الروايات الشريفة، بشكل نوضح ما هو الهدف من مثل تلك الروايات..
أولاً: الفعل المؤثر:
إن من أهم العوامل المؤثرة في الآخرين هو الفعل وليس القول، فإن الناس حين ترى أن أحدهم يطبق ما يسمعه الناس عن التدين، فإن تطبيق الأفعال خير من الأقوال وإن للصمت دلالات أقوى وأبلغ بشكل لا تقوى عليه الدلالات الكلامية، وأفعال الإنسان أفضل تعبير عن المبدأ الذي يحمله والفكر الذي يحويه والمكارم التي يتصف بها، وتطبق الأقوال الصادقة لما يرضاه الله وأمر به أهل البيت (عليهم السلام)، ومن ذلك التطبيق يمكن لنا التعرف على الهوية الحقيقية لما أراده الإسلام الحقيقي في تصرفات ذلك الشخص المؤمن الذي يطبق وصايا الشرع الحنيف، فيتعرف عليه الناس من هذا الفعل المقترن بالصمت المؤشر عن مقدار حبّه وصدق انتمائه وولائه إلى مدرسة الأخلاق والتضحية والبذل والعطاء.
ثانياً: أهمية العامل المؤثر:
ولكي نبين كم أن الدعوة الصامتة مهمة وذلك من خلال أنها عامل أشد تأثيراً وأبلغ في نفس الناس، ـ فعلى سبيل المثال لا حصر ـ إن ألقاء موعظة أو خطبة لكي نحث الآخرين على مساعدة الفقراء ومد يد العون لهم والاهتمام بهم والوقوف على خاطرهم، فيكون ما يلمسه الآخرون من القيام بهذا العمل الخير والمبادرة على فعله لخدمة هؤلاء الفقراء لهو خير موعظة وحث لهم.
ثالثاً: العوامل المكونة للدعوة الصامتة:
يجب عدم حصر العوامل المكونة لدعوة العملية الصامتة بعامل دون آخر، فلا يقال إن الإنسان مطالب بأداء الحقوق لكنه غير مطالب بمراعاة الآداب، بل الأمران مطلوبان.
فإن الإمام الصادق (عليه السلام) وإن ذكر في الوصية عناصر بأجمعها واجبة ويترتب على بعضها حقوق للطرف الآخر في التعامل كأداء الأمانة والمعاملة بصدق أي دون غش وتدليس، وأن يكون عادلاً غير متعدي ولا ظالم.
ومن منطلق تحمل المسؤولية لا بد من توفر مواصفات معينة في الداعي الصامت الذي يريد أن يقوم بهذا الواجب وهي:
1 ـ العلم بما يريد أن يبلغه ويعرف به وأن يكون قائما على بحثه وتتبعه ، وأن لا يكون قائماً على الجهل والتعصب أو التقليد الأعمى أو مسايرا للعوام والجهلة.
2 ـ الحلم.
3 ـ التواضع واللين بل وحسن الأخلاق عموماً.
4 ـ الموضوعية.
5 ـ العدل والإنصاف والتقوى، الإيمان بما يريد أن يبلغه.
وأخيرأ نستشهد بقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.