صفحة الكاتب : محمد جواد سنبه

العِرَاقُ وَ اسْتِراتِيْجِيَّةُ بِنَاءِ المَحَاوِرِ. (الحَلَقَةُ الثَانِيَةُ)
محمد جواد سنبه

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

                                                                                                                                                         

في الحَلقَةِ الأُولَى مِن هذا الَمقالِ، تَوَصَلتُ عَن طَريْقِ المُقارَنَةِ بالأَرقَامِ، بَيّْنَ الشَكْلَينِ الجُغرَافيَّينِ، لِكُلٍ مِن دَوْلَةِ العِرَاقِ و دَوْلَةِ الكُوَيّْتِ. و كَيّْفَ أَنَّ العِرَاقَ وُضِعَ قَسْراً، في نِطَاقٍ جُغرافِيٍّ غَيْرِ مُرِيْح. علماً أنَّ المُقًارنَةَ تَناوَلَتْ العِرَاقَ كدَوْلَةٍ مُتَوسِطَةٍ، و الكُوَيّْتَ كدَوْلَةٍ صَغِيرَة. فأَظْهَرتْ المُقَارَنَةُ، تَفَوّقَ دَوْلَةِ الكُوَيّْتِ على العِرَاقِ، في الكَثيْرِ مِن المُمَيّزاتِ الجُغرَافِيَّة. و كَانَ وَراءَ إِجحَافِ، حَقِّ العِرَاقِ بهذا الشَكْلِ، لَيْسَ مَرَدُّهُ الصِّدفَةَ، و إِنَّمَا بِتَخْطِيطٍ مَدرُوسٍ، مِن قِبَلِ الإِمبِريَالِيَتيّنِ البرِيطَانِيَّةِ و الفَرنسِيَّةِ، عَن طَريْقِ تَقسِيْمِ الشَرْقِ العَرَبِيّ، وِفْقَ اتّفَاقِيَّةِ (سايكس بيكو)، المُبرَمَةُ بَيّْنَ تِلكُمَا القُوَتيّن. و اسْتِكْمَالاً للموضُوعِ أَقُوْل:
و إِذا أَضَفْنَا إِلى مَا تَقَدَّمَ، إنشَاءُ مينَاءِ مُبارَكٍ، مِن قِبَلِ دَوْلَةِ الكُوَيّْتِ، و تَزحيّفُ الحُدودِ العِراقيَّةِ معَ الكُويّتِ، عدَّةِ كيلو مِترَاتٍ إِلى دَاخِلِ العِرَاقِ، مِن أَجلِ إِقامَةِ مَنطِقَةٍ آمِنَةٍ، بَيّْنَ الكُوَيّتِ و العِرَاق. و التَّنازُلُ عَن كليومَتراتٍ أُخرَى، مِن مِيْنَاءِ أُمِّ قَصْرٍ، حَسّْبَ مُقرَراتِ خَيمَةِ (سَفوان). سَيَكُونُ مَأزَقُ العِرَاقِ كَبيراً جِدّاً. فالأَشِقّاءُ العَرَبُ فِي دُوَلِ الخَليْجِ، يُحاصِرونَ العِرَاقَ اقتصَاديّاً، و مِنهُم مَنْ يُحارِبُهُ سِياسيّاً و أَمنِيّاً و إِعلاميّاً. 
لِذَا فَمِنْ حَقِّ العِرَاقِ أَنْ يَمُدَّ بَصرَهُ، صَوّبَ قُوَّةٍ إِقليميَّةٍ، تُخَلِصُهُ مِن الضَّغطِ العَربِيّ المُوجَّهَ ضِدَّهُ، و كانَتْ هذه الجِهَةُ هِي إِيْرَان. و معَ أّنَّ العِرَاقَ، حَريْصٌ عَلى إِقامَةِ علاقَاتٍ طيَّبَةٍ، معَ دُوَلِ الجِّوارِ العَربِيّ، و بَاقي دُوَلِ العَالَمِ، كمَا تَفرِضُهُ فَلسَفَةُ نِظَامِ الحُكْمِ الدِّستُوريّ، الّتي يَتبناهَا العِرَاق.  بَيّْدَ أَنَّ هذا التَّوَجُهُ، لا يَروقُ للسُعوديَّةِ و مِحوَرِهَا الإقليمِيّ، و دُوَلٍ عَربيَّةٍ أُخرى، و مَعَها تُركيَا أَيضَاً. فَعلى العِرَاقِ، أَنْ يَقومَ ببنَاءِ ثلاثَةَ مَحاوِرٍ استِراتِيجِيَّةٍ، لضَمَانِ أَمنِهِ الإِقليْمِيّ و الوَطنيّ، و هذهِ المَحاوِرُ هي:
أَوّلاً : مِحوَرُ العِرَاقِ - أَمريْكا. و هذا المحوَرُ، حَدَّدَتهُ اتّفاقِيَةُ إِطَارِ التَّعاونِ الاستراتِيجيّ. و اتّفاقِيَّةُ التَّعاونِ الأَمنِي، المُبرمتَانِ بيّْنَ العِرَاقِ و أَمريْكا. وهذا مَوجودٌ فِعلاً.
ثَانِيَاً: مِحوَرُ العِرَاقِ - إِيرَان. فبَعدَ نَجَاحِ الجُهدِ الدُّبلوماسِيّ العِرَاقي و العُمَانِي، في تَفكيْكِ الأَزمَةِ، بيّْنَ إِيْرَانَ و أَمريْكا، و لَو بِشَكلٍ مَقبُولٍ نِسبيّاً. إِضافَةً إِلى أَنَّ العِرَاقَ وَضَّحَ رؤيَتَهُ، بخُصوصِ وَضعِ إِطَارٍ، لِحَلِّ الأَزمَةِ السُّوريّة. فَمَهَّدَ ذلك للعِرَاقِ، أَنْ يأخُذَ دَوّرَ العُنصُرِ الجُيوبُولوتِيكيّ، بيّْن مِحوَرينِ استِراتِيْجِيَّينِ هُمَا إِيرَانَ و أَمريْكا.
ثَالثَاً: مِحوَرُ العِرَاقِ - تُركيَا. يَجِبُ عَلى العِرَاقِ السَعيُ الجَادِّ، لِتحقيقِ مِحوَرٍ للتعَاونِ الاسْتِراتِيجيّ، بيْنَهُ و بيّْنَ تُركِيَا. بالاستِفادَةِ مِن حَاجَةِ تُركِيَا الاقتِصَاديَّةِ للعِرَاقِ، هذا أَوَّلاً. و ثانيَاً، ارتباطُ تُركِيَا بحِلفِ النَّاتُو، الّذي سَيُسَهِلُ الكثيرَ مِن العَقبَاتِ، لإِقامَةِ تَعاونٍ عِرَاقيّ تُركيّ. خُصوصَاً إِذا أَخَذنا بنَظَرِ الاعتبَارِ، حَاجَةَ تُركِيَا لمثلِ هذا التَّعاونِ، في الوَقتِ الحَاضِرِ، بِسَببِ فَشَلِ جُهودِهَا، في إِقامَةِ تَحالُفٍ اسْتِراتِيجِيّ، بيّنَها و بيّْنَ مِصْر. كمَا أَنَّ هذا التَوجُةُ، يُشكِلُ عَامِلَ ضَغطٍ على السُعوديَّةِ، خُصوصَاً إِذَا تَمَّ النَجَاحُ بتَحييدِ تُركِيَا عَن مِحورِ السُعوديَّةِ، عَن طَريقِ تَقويَةِ شَبكَةِ المَصالِحِ بيّْنها و بيّْنَ العِرَاق. و على العِرَاقِ أَنْ يُطَوِرَ اسْتِراتِيجِيَّتَهُ مُستَقبَلاً، لتكونَ أَكثرَ فاعليَّةً، عندَما يَنجحُ في جعلِ المَحاورَ الثلاثَةَ المذكورَةِ سَابقاً، لتَصبَحَ مِحوَريّنِ جِيُواسْتِراتِيجِيَّينِ، حتّى تكتَملَ حَلقَةُ المَصالحِ، بيّْنَ جَميعِ الأَطراف. و المِحورَانِ هُما: 
     المِحوَرُ الأَوّلُ:   مِحوَرُ العِرَاقِ - إِيرَانَ - تُركِيَا.
     المِحوَرُ الثَّانِي:  مِحوَرُ العِرَاقِ - تُركِيَا - أَمريْكا.

علماً أَنَّ التَّحرُكاتِ السِياسيَّةِ، كانَتْ نَشطَةً في المَنطِقةِ، خلالِ الإِسبوعِ الّذي زَارَ فيه السيّدُ المالكي إِيْرَانَ في 4/12/2013 منها: زيارةُ رئيسِ مجلسِ الشورى الإِيرانيّ، لسلطنةِ عُمان. زيارةُ وزيرِ الخارجيَّةِ الإِيرانِيّ، للإِماراتِ العربيةِ. زيارةُ رئيسِ الوزراءِ السُوريّ لطهرَان. زيارةُ وزيرِ خارجيَّةِ الإِماراتِ لطهران. لقاءُ بندرِ بنِ سلطانَ، الرئيسَ الروسي بَوتين. زيارةُ وزيرِ الخارجيَّةِ الأَمريكيّ لإِسرائيْل. زيارةُ وزيرِ الدِّفاعِ الأَمريكيّ للبَحرين. تهديدُ سَلطنةِ عُمانٍ، بانسِحابِها مِن مجلس دُوَلِ التَّعاونِ الخَليجِيّ.
هذا النَّشاطُ الدُّبلومَاسِيّ، غيّرُ المتوقَعِ في المنطِقَةِ، يُعطي إِشارةً واضِحَةً بأَنَّ خَارطَةِ التَّحالُفَاتِ السَّابِقَةِ، على وَشَكِ التَّفكُك. و ستَحِلُّ مَحلَّها تَحالُفَاتٍ اسْتِراتِيجِيَّةٍ، جَديدَةٍ في المَنطِقَةِ. ستُسهِمُ بِشَكلٍ فاعِلٍ، برَسمِ صورَةٍ جَديدَةٍ لمُستقبَلِ العِراقِ و دُوَلِ الجِوَارِ. و الّتي تُعتبرُ الآن، نَواةً قَلقَةً و خَطرَةً، وفْقَ المَنظورِ الإِسْتِراتِيجيّ.
و ثَمَّةُ جانِبٍ آخرَ، يَجبُ عَدَمُ اغفالِهِ، يُؤَثرُ تَأثيراً مُباشراً، على استقرارِ المَنطقَة، و يُسهمُ في زيادَةِ نَشاطِها القَلِقِ و الخَطِر. و هوَ أَنَّ السُعوديَّةَ ماضِيَةٌ قُدُماً، بتَأجيجِ الجِانبِ الآيْديُولُوجيّ، بيّْنَ دُوَلِ المَنطِقَةِ، باستِخدَامِ الفِكْرِ الوَهَابيّ التَّكفيرِيّ، وَسيلَةً لِفَرضِ وجُودِهَا السِّياسِيّ، في المَنطِقَة. و هذا الجانِبُ الّذي تُصِرُّ عليْهِ السُعوديَّةُ، و تَسْعَىى مِن خِلالِ التَّهديدِ الإِرهَابِيّ، الّذي تَرعاهُ بطريقَةٍ مُباشِرَةٍ أَو غَيّرِ مُباشِرَةٍ. للتَدَخُلِ في شُؤونِ دُوَلِ المَنطِقَةِ، لتَغيّيرِ الواقِعِ السّياسِيّ، لِبعضِ أَنظِمَةِ دُوَلِ المَنطِقَةِ. كطَريقَةٍ تَكْفَلُ بَقَاءَ نِظَامِ العَائِلَةِ السُعوديَّةِ، قائماً على أَرضِ الوَاقِع. و هذا المشْروعُ المُدَمِرُ سَيَنقَلِبُ اتّجاهَهُ يَومَاً مَا، ليواجِهَ السُعوديَّةَ وَجْهاً لِوَجْه. لِذَا يُرتَقَبُ حُدُوثِ تَغيُّراتٍ سِياسِيَّةٍ شَامِلَةٍ في المَنطِقَةِ، حتّى تَكتَسِبَ بَعدَ ذلكَ، حَالةً مِن السَلامِ و الاسْتِقرَار.           


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جواد سنبه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/12/21



كتابة تعليق لموضوع : العِرَاقُ وَ اسْتِراتِيْجِيَّةُ بِنَاءِ المَحَاوِرِ. (الحَلَقَةُ الثَانِيَةُ)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net