صفحة الكاتب : محمد رضا عباس

ضمان الودائع المصرفية خطوة إيجابية نحو تطوير القطاع المصرفي في العراق
محمد رضا عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ليس لدي احصائية عن عدد البنوك التجارية التي أعلنت افلسها في العراق بعد التغيير , ولكن حتى وان كان هناك بعض البنوك من لم يحالفها الحظ بالنمو والازدهار واختفت من السوق , فان تلاشيها لم تشكل خسارة مباشرة على المواطن العراقي , لأنه ببساطة ان المواطن العراقي لا يتعامل مع البنوك كثيرا , ولا يتعامل معها الا مضطرا. في العراق لا توجد ثقافة التعامل مع البنوك , والمواطن العراقي يفضل إيداع النقد الفائض عنده في غرف نومه او في أماكن تبعد انظار عصابات السطو والسرقة عنها . ومع كل الاحتياطات التي يتخذها أصحاب المال في حماية أموالهم , الا ان عصابات السطو اصبحوا اكثر خبرة و حنكه , حتى اصبح من العادة ان نقرا عن اخبار السرقات والسطو المسلح كل يوم تقريبا .

حالة غير طبيعية ولا حضارية ان يبقى المواطن العراقي لا يتعامل مع البنوك , والعالم بدء يفكر باستعمال النقود الإلكترونية . وستكون من الصعب على أي حكومة بأطلاق حملة للتنمية الاقتصادية بمعزل عن مشاركة البنوك التجارية في هذه الحملة. وبغية عدم إعطاء أي مبرر بامتناع المواطن من التعامل مع البنوك التجارية , اعلن البنك المركزي العراقي في نهاية شهر كانون الثاني 2018, عن توقيع عقد تأسيس شركة ضمان الودائع المصرفية . سيكون رأسمال هذه الشركة مائة مليار دينار , ستساهم البنوك الاهلية والحكومية بتمويل 55 مليار دينار, والمتبقي 45 مليار دينار ستطرح للاكتتاب العام.

لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن عمل هذه الشركة , مثل حجم تغطية خسائر المودعين , هل يغطى الودائع الأجنبية , الودائع العائدة لأكثر من مواطن واحد , نوع الحساب المضمون , الجهة المسؤولة عن الدفع, هل يغطي الضمان عمليات السطو المسلح , تزييف اسم المتعاملين , واسئلة كثيرة أخرى.

المشروع بدون شك سيساهم على استقرار القطاع المصرفي, يزيد ثقة المتعاملين مع البنوك برصانة بنوكهم , حماية ودائع الشركات والجمهور, وتعزيز الثقة لدى مراسلين المصارف في العراق . الموطن العراقي او رجل الاعمال , اصبح له تامين يحمي جزء من أمواله في حالة تعرض البنك الى الإفلاس .

قرار البنك المركزي بمشاركة البنوك التجارية (44 بنك) بما يعادل 55% من رأسمال شركة التامين يجعل من البنوك التجارية اكثر مسؤولية حول كيفية إدارة عملياتها المصرفية وخاصة عمليات القروض للمواطن والشركات الاهلية. لان عدم تصرف البنك بمسؤولية (كان يقرض البنك مواطن مشكوك بقابليته بدفع اصل القرض ) سوف يعرض البنك الى الخسارة , ويعتبر البنك عضوا خطرا على قائمة شركة ضمان الودائع. وعليه فان من مسؤولية البنك العضو في شركة الضمان من إدارة مخزونه من السيولة النقدية إدارة جيدة وتوفير وفرة معقولة من السيولة النقدية تكفي لتغطية حاجة المودعين اليومية . لان عدم استطاعة البنك التجاري بدفع ودائع عملائها قد يخلق نوع من القلق والمخاوف عند بقية المودعين ويضطرهم الركض نحو البنك بسحب ودائعهم. وطالما وان من العادة ان لا تدخر البنوك التجارية جميع ودائع المودعين في خزائن البنك ( جزء كبير يذهب الى القروض) , فان تدافع المودعين لسحب وداعهم قد تؤدي الى افلاس البنك . وحتى وان طالب البنك من شركة التامين بدفع بعض من ودائع المودعين , فان هذا الاجراء سوف لن ينقذ البنك من الإفلاس , لان عملية دفع الودائع من قبل شركة التامين قد يأخذ وقت طويل. وهذا سبب اخر , وهو  , ان نظام التامين سوف يعزز تعاون البنوك من اجل استقرار سوق الصيرفة , لان فشل أي بنك في النظام المصرفي سوف يؤثر على بقية البنوك في النظام المصرفي .

مراقبة عمليات البنوك من قبل منظمات رقابية , تصبح عملية مهمة جدا , لان التجارب العالمية اثبتت حتى في النظم الاقتصادية الرصينة , بعض البنوك لا تلتزم بالمعايير العمل الدقيقة. على سبيل المثال بين بداية عام الكساد الاقتصادي الكبير في تشرين الأول من عام 1929 ويوم الإعلان عن تأسيس شركة تامين الودائع الفدرالية الامريكية في نهاية عام 1933 , فشل ما يقارب 4000 بنك . ولكن هذا العدد تناقص بشكل كبير في عام 1934 , حيث بلغت عدد البنوك التي افلست هو 9 بنوك فقط. السبب , هو ان بعد تأسيس شركة التامين الفدرالية , أرسلت الحكومة الفدرالية 4000 مفتش الى البنوك من اجل مراقبة عملياتها المصرفية وتطابقها مع القواعد المصرفية , وتقديم تقارير الى البنك الاحتياطي الأمريكي . هذا الاجراء , استعملته الحكومة الفدرالية بعد التراجع الاقتصادي العظيم الذي ضرب الاقتصاد الأمريكي والاوربي أواخر عام 2007 و عام 2008. الحكومة الامريكية تكفلت البنوك التجارية التي كانت تعاني من نقص في السيولة النقدية في تلك الفترة، ولكن هذه المساعدة كانت على شروط ومنها تدقيق حسابات هذه البنوك للتأكد بعدم مخالفتها شروط النظام المصرفي الأمريكي ,  ومع كل هذه الإجراءات فان بنوك كثيرة لم تلتزم بشروط التعامل المصرفي وفشل منها 465 بنك بين عام 2008 و2012 , كان موجودات احد هذه البنوك تقدر بمبلغ 306 مليار دولار.

السنوات القادمة ستكون احسن من السنوات الفارضة، داعش قد انتهى عسكريا , وحل محله برنامج للبناء والاعمار , وبدون شك ستكون مساهمة البنوك التجارية في التنمية الاقتصادية واضحة جدا من خلال توفير القروض للمواطنين من اجل بناء بيت , تأسيس عمل صغير او من الحجم المتوسط , او من اجل توسع في مشاريع قائمة . يجب على البنك المركزي العراقي التأكد من مؤهلات موظفي البنوك , خبرة مدراءها , وصحة عملياتهم المصرفية. صحيح ان فشل إدارة بنك في أداء واجبها سوف تؤدي الى افلاسه , الا ان التجارب العالمية اثبتت بدون الشك ان تأثير فشل بنك او عدد من البنوك في ان واحد لها ابعاد سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني , وخير دليل على ذلك , هو تعرض الاقتصاد العالمي الى شبه انهيار في الركود الاقتصادي العظيم (2007-2008), وكان المسؤول الأول عن هذا الانهيار , هو تعامل البنوك التجارية الغير مسؤول في إدارة اعمالها . 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد رضا عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/02/02



كتابة تعليق لموضوع : ضمان الودائع المصرفية خطوة إيجابية نحو تطوير القطاع المصرفي في العراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net