صفحة الكاتب : باقر جميل

ذكريات الجنان في معارك الشجعان
باقر جميل

في يوم من الأيام صار حديث متبادل بين الجنان ، حديث يخص اهل الأرض ويرتبط باهل الجنان  فقالت جنة الفردوس مخاطبة جنة عدنٍ وبحضور جنة الخلد :

منذ وفاة هابيل من قبل قابيل ظلما وعدوانا ، ونحن نستقبل أحبائنا  الشهداء في سبيل الحق والحقيقة والدين ، وكنا وما زلنا نشتاق لهم كاشتياق يعقوب ليوسف (عليهم السلام) ، فقالت(جنة عدن)  لجنة الفردوس و جنة الخلد  وهي تقول لهما :

حدثاني عن أحداث عام (2014) التي حصلت في العراق ، وما هي  المواقف التي شدت أذهانكم اليها ، وتعجبتم منها ؟

 فكان الجواب : ولماذا هذه الفترة بالتحديد ..؟

قالت جنة عدن : لان الذي شاهدناه وسمعناه  منهم قل نظيره تماما ، والصورة التي سطروها كبيرة وعظيمة ، أقل ما يقال عنها بأنها اعجوبة من عجائب التضحية والفداء للدين والوطن ، ولذلك أنا الان في وضوح مستمر في سبب جعل ادم وولده خلفاء على الأرض .

  قالت جنة الفردوس : نعم  , هم يستحقون أن نعيد ذكراهم مرة أخرى لهذا فأصنتي يا أختي :

في ذات ليلة من ليالي الدنيا والبشر  فيها يتقلبون  يمينا وشمالا، اذ هب صوت خفي صك مسامعي أنا  و جنة الخلد ، صوت ليس من أصوات السماء ، ولكنه أرفع من أصوات أهل الدنيا الباقية ، التفت  الى جنة الخلد وسألتها بغرابة :

 ما هذا الصوت الذي دخل قلبي وتملكه ؟ هل هناك من خطب في دار الدنيا ؟

ركزت جنة الخلد لصوت اهل الدنيا جيدا , وإذ بها تنادي جنة الفردوس وبملامح ممزوجة من الحزن والسرور معا !

يا فردوس ، أبشري سوف نستضيف عددا كبيرا من الشهداء هذه المرة .!

فقالت الفردوس بتمعن : شهداء ..؟! وما الذي حصل يا جنة الخلد ؟ قولي ماذا يحدث  الان في دار الدنيا ..؟

قالت جنة الخلد وهي تأن من شعورها الممزوج بالفرح والحزن بآن واحد  :

 لقد دنوت من بقعة لنا في الأرض موجودة في منطقة تسمى (كربلاء) والتي فيها قبر شيد الشهداء ، أن مرجعهم الاعلى وهو السيد السيستاني قد أعلن فتوى بالجهاد الكفائي ، وذلك ليذود عن حرم العراقيين والعراقيات من هجمة قوية من قبل مجموعة تبرأء منها كل البشر والإنسانية .

تهلل وجه الفردوس بهذه الكلمات وقالت :

هلمي بنا يا جنة الخلد لكي نحيط بالأمر خبرا ، ولنتزود من التفاصيل الدقيقة ، ولنرى ما سنقدمه لهؤلاء الثلة الطيبة من نعيم دائم .

دنت الفردوس من منطقة كربلاء وإذ بها تسمع هذا النداء الذي بدأ يسري بها كمسرى الدم في عروق الإنسان على لسان ممثل المرجع الأعلى وهو يقول :

(وإن من يضحي منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضه، فإنه يكون شهيداً) .

 صاحت بصوت ملئه الحنان والرحمة ، هنيئا لمن يستجيب لهذا النداء ، ولو علم البشر بما نقدمه لهم عندما يكونوا عندنا لما بقي منهم واحدا أبدا إلا  ويريد الالتحاق بنا ، لذلك يا جنة الخلد ، لا تدخري أي جهد في تزيين الغرف العاليات ، والأرائك المتكآت لمن يلبي النداء ، ويلتحق بركب الشهداء .

وبدأ استقبالنا لهذه الثلة من الشهداء تباعا ، فكان منهم الصغير والكبير ، والهرم والمريض ، وهم يتسابقون للمنية  كتسابق الطيور على أعشاشها بعد الاغتراب .

ودارت المعارك الشرسة بقوة ، والتحم الفريقان ، هذا والعراقيون أبلوا بلاء عجيبا في الجهاد ، لم نكن نتوقع هذه التضحيات إلا في كربلاء الحسين عليه السلام، حتى  نزلنا ذات مرة لإحدى المعارك  فوجدنا مجاهدا قد لفت انتباهنا بشدة وهو الشهيد (خليل بن ابراهيم الجليحاوي) ، حتى شاهدنا منه العجب العجاب ، انه يبحث عن منيته ليل مع نهار ولا يهدأ أبدا ، حتى ان منيته قد أخذت منه أخاه وعينه ويده !

 لكنه يصر أن ياتي الينا ، وفعلا حقق مراده بصورة فريدة .

هنا بانت الرقة والعطف على جنة عدن وهي تقول : هل فعلا ما يقوم به هؤلاء نابع من حبهم للدين والوطن ..؟ اننا لم نرى هذه العزيمة والهمة إلا نادرا ، وتوقعنا اننا لن نجد مثل شهداء كربلاء عندما يتسابقون على المنية ، فهم والله الان يتسابقون على مناياهم بصورة فريدة ونادرة .

قالت جنة الفردوس لجنة عدن : لا تستغربي  هكذا ، فسأذكر لك حادثة أخرى عن شخصين كريمين ، وكنا نراقبهم في ساحات الجهاد بصورة كثيرة ، فشاهدنا أشياء تزيدك غرابة وغبطة .

فقالت جنة عدن : ماذا تقولين ؟ وهل هناك من أمثال خليل ابراهيم بكثرة ..؟

قالت نعم ، قالت جنة عدن : ومن هم ؟

قالت جنة الفردوس : لا أستطيع ان أعدهم لك، لكن كما قلت لك سأذكر لك مشاهد من شهيدين كريمين وهما :

الشهيد السيد عبد الرضا الفياض ، والشهيد الشيخ مشتاق الزيدي .

فقد استشهد الشيخ مشتاق الزيدي في منطقة (البو حشمة ) وهي منطقة تابعة لقضاء ( بلد )التابع لمحافظة صلاح الدين ، في يوم (25/12/2014) ، ولا أحدثك يا جنة عدن عن روحه القتالية والاخوية التي كان يحملها ، فكان بحق مصداقا للآية الكريمة (أشداء على الكفار رحماء بينهم) ، حتى قبل استشهاده دنونا منه وصرنا نتحدث عن ان يومه الاخير يكون في تحرير منطقة( يثرب ) ، فصار يُحدث كل من يلتقيه أن اللقاء بالجنان وخالقها سيكون هنا ان شاء الله (أي في منطقة يثرب)، وانه لن يخرج منها حتى تتحرر أو يستشهد في سبيل تحريرها ، وبالفعل نال شرف الشهادة بتلك المنطقة ، هذا كله والسيد عبد الرضا ينظر له عند استشهاده ودموعه تجري على خديه حزنا وغبطة لما ناله الشيخ الشهيد ، وكان يتمنى ان يكون قد استشهد هو الاخر بأسرع وقت ممكن ، لكنه تأخر قليلا عنا ، وبقينا في انتظاره كثيرا ، حتى كاد اليأس ان يصل الينا من عدم قدوم السيد عبد الرضا الفياض ، بعدما جهزنا له الجنان ومن فيها لاستقباله ، ولتعويضه عما لاقاه من تعب وارهاق ، ولكن ما زال ينادي بكثرة ان الفرصة هاهنا فقط ، هنا الخير كله ، هنا الفوز كله ، هنا الجنة والرضوان ،هنا السعادة والأمان .

الى ان جاءت لحظات حاسمة من المعارك كما هي في المرات الماضية ، وبالتحديد في يوم الاثنين المصادف 29 من شهر محرم الحرام لعام 1438 للهجرة المباركة ، وفي تحرير مناطق غرب الموصل ، خاض السيد الفياض معركة شرسة مع عصابات داعش ، صار العجب يأخذ مأخذه منا من شدة شجاعته وبسالته ، وكان بمعية زميله الشهيد الشيخ جعفر المظفر ، فما زالوا يقاتلون حتى جاء الفوز العظيم لهما وسقطا تباعا في مكان واحد وساعة واحدة .

لقد دهشنا من شدة الحزن وكذلك غمرتنا الفرحة بنفس الوقت لقدومهما الينا ، إلا انهم من الرجال الذي يقل نظيره في هذه الدنيا ،  تركوا الاولاد والاخوة ، وتركوا الدنيا وملذاتها في سبيل أن يجري دمهم في تراب هذا الوطن ، كما مزجتها دماء أهل البيت عليهم من قبل ، ولا أظن ان السيد عبد الرضا نسي سبايا أهل البيت عندما مروا في مدينة الموصل ، لذلك كان كثير الذكر لأهل البيت في المعارك وهذا حال الكثيرين منهن ، حيث اننا وجدناهم ينصبون المآتم الحسينية وهم تحت أزيز الرصاص ..! عجبا ! ماذا فعل بهم سيد الشهداء حتى ذابوا فيه هكذا ؟ وماذا شاهدوا من اليقين حتى صارت عندهم كل هذه العزيمة والهمة ..؟!

هكذا كانت شجاعتهم ، وبسالتهم ، وعقيدتهم ، وحبهم الذي لا يوصف لسيد الشهداء ولما جرى على أهل البيت عليهم السلام ، لقد كانت الملائكة تسأل عن سبب خلق آدم وولده ، ولحد الآن نرى الإجابات بكل وضوح ، ان بني آدم فيهم من هو أكرم على الله من جميع خلقه ، وان يستحق وبجدارة ان نكون بخدمته الى أبد الآبدين .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


باقر جميل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/06



كتابة تعليق لموضوع : ذكريات الجنان في معارك الشجعان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net