صفحة الكاتب : باقر جميل

ظاهرة النسيان عند العراقيين بين الإفراط والتفريط. (الحلقة الاولى )
باقر جميل

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لم يكن للعراقيين استقرار طويل من أزماتهم السياسية الحديثة المتلاحقة منذ ثورة العشرين لحد هذه اللحظة ،فلم يستقر له بال ولم يغف له جفن من سهرات الإنقلابات وسماع ازيز رصاص الانقلابيين او المحتلين او حتى المتهورين ممن كانوا في السلطة ، وحتى لو كان هناك استقرار فكان مصحوبا بشبح الخوف المطبق على الشعب بصورة عجيبة وفريدة ، تكاد تنقطع الانفاس منه من شدة سطوته ونذالته . كما نلاحظ ان الحكومات المتعاقبة على العراق لم يكن لديها الإصرار والمصداقية في بناء الإنسان العراقي كما حدث في كثير من الدول الأخرى ، والبناء الذي نقصده هو البناء القافي وبناء العقل وبناء طريقة التفكير بصورة صحيحة وسليمة ، بل نرى العكس تمام ، شاهدنا تهديم ممنهج للمجتمع العراقي ولفكره ولطريقة تفكيره بشكل عام ، استمر هذا المنهج لمدة 35 عاما بدون هوادة واستقرار ، والذين قبله وبعده كان هَمّهم الأول في العراق هو تثبيت سلطانهم ودولتهم على المعارضين لهم ، والاستمرار بعملية تجهيل الناس وخلط افكارهم وطريقة عملها ، ولكن بأساليب مختلفة واوجه متعددة ، وبالتالي فان العامل السياسي وعدم استقراره يعد العامل الأول والأساسي في تردي بناء الإنسان العراقي . مرَ العراق بحروب وويلات كثيرة كلنا يعرف تفاصيل بعضها ، ولكن القليل منا من يفكر في الاستفادة من تلك الحقبات المظلمة ، فصحيح من يقول يجب ان نترك الماضي وننطلق نحو المستقبل ، لكن الماضي يعتبر دروس جاهزة ومجانية لما تريد ان تفعله في المستقبل ، لا يمكن الإستغناء عن الماضي بجميع تفاصيله حتى المظلمة منها ، لأنها تعتبر كأثر الجروح في جسد الإنسان تخبرك بما يحصل لك عندما تنتهج المنهج المنافي للصواب . بالتالي فالماضي له فوائد كبيرة يستطيع الإنسان من خلالها التقدم بخطوات ثابتة ، والامثلة على ذلك كثيرة وعديدة ، ووجود هذه الأمثلة يخبرك ان الاستفادة منها ليس مستحيلا وليس مستبعدا اطلاقا ، كما ان القران الكريم وسنن الاولين زاخرة بما تحتويه فوائد الماضي ليكون عبرة لمن يعتبر ، اذ لا وجود لنفي واقصاء الماضي لكونه ماضي وانتهى الأمر ، بل وجوده ضرورة قصوى لمن يريد أن يستفيد من اخطاء غيره . واليكم مثالين بسيطين في تحول السنوات الماضية العجاف الى سنوات خضر زاهيات جميلات . المثال الاول اليابان ، وما حصل لها عندما اختارت طريق الهيمنة وخداع نفسها بعدم خسرانها والدعم الغير محدود المتمثل بهتلر ، حتى فنيت مدينتيهما بالكامل من أجل قرار واحد خاطئ ، فتحول هذا الانهدام الفكري والمجتمعي والاقتصادي عند اليابانيين الى يقظة من سبات كانوا يعتقدونه صوابا في السابق ، فتحولت اليابان من أشد البلدان دفاعا عن هتلر ، ومن دولة تابعة لدولة اوربية ، ومن دولة لا وجود للسيادة فيها ولا الاستقلال السياسي ، وانما تخضع بشكل مؤثر لدولة تريد الهيمنة على الاخرين ولا تحترم الكل والمتمثلة بألمانيا ، الى دولة يضرب بها المثل في التسامح والسلم والسلام واحترام سيادة الاخرين بشكل عجيب، مع غض النظر عن مدى مصداقية ما يشاع عنها في الإعلام ، لكنها استطاعت ان تشيع هذا المنظر عنها بكل ما تمتلك من قوة اعلامية وسياسية وشعبية ، فحولت الماضي السيء الى مستقبل زاهر ، ومع هذا فلن تنسى ألم القنبلتين لحد هذه اللحظة وما زالت تستذكرهما سنويا ، لتقول هذا ما كنا عليه في الماضي من عوق فكري ، فيا أيها الجيل الحالي لا تكن مثلنا فتلقى مصيرنا ، وبالتأكيد لا نتكلم عن مدى صدق هذه الصورة وما تحتويه من تفاصيل خلف الكواليس . والمثال الاخر ألمانيا وما عانته من هتلر بشكل عجيب وغريب ، واستطاع ان يجعل كل العالم عدوا له ، و ان يجعل الالمان منبوذين عند كل الشعوب ، والحقد يملئ قلوب العالم عندما يسمعون باسمهم . ولكن عندما انتهت القصة الخيالية بحكم العالم ، توجهوا الى الأمر الواقع ، وهو انكار الماضي الأسود والتوجه الى تغيير صورته بأخرى ملونة بالوان تعجب الجميع ، وهو ان هتلر وفكره مضى بدون رجعة ، فأول ما فعلته هو حضر وجود من ينتمي لهذا الفكر العنجهي ، بل تشكيل منظمات تعمل على تغيير ثقافة الشعب الالماني من نزعته السلطوية التي كان يعبئ بها هتلر لشعبه ، وصنعوا المئات من الافلام السيمنائية والوثائقية لإدانة هتلر والقول بان هتلر لا يمثل كل وجهات ألألمان ، وان الالمان لديهم القدرة على تغيير نفسهم بنفسهم ، الى ان اصبحت المانيا من الدول المصنعة الخمس الكبرى في العالم . العراق والذي لم يكن أفضل حال من هاتين الدولتين فما هو نقصه ليكون كاليابان وألمانيا في خطواتها يا ترى ؟. بعد عام 2003 ولحد هذه اللحظة شهد العراق تخبط واضح في كيفية التعامل مع الماضي بشكل صحيح ونقصد بالعراق حكومة وشعبا (والكلام بشكل عام ، أي لا يعني بالضرورة ان كل أفراد الشعب أو كل الطبقة السياسية مشمولة بهذا الكلام)، وظهر منه عدم الجدية في التعامل معه بصورة واضحة ، فلحد الان لم نرى يمكن ان يكون الماضي كابوسا لا يمكن الخروج منه وان نتقبله بدون تفكير أبدا ؟ ، او يكون كما عند غيرنا متنفسا نستطيع من خلاله الإنطلاق بقوة ؟، ولكن يا ترى ما سبب هذا التخبط والعشوائية في التشخيص ؟ هل المشكلة في الشعب ؟ ام في الحكومة ؟ او في كليهما أم في أسباب أخرى ..؟! هذا ما سنتحدث عنه في المقال الاخر ان شاء الله .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


باقر جميل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/06/12



كتابة تعليق لموضوع : ظاهرة النسيان عند العراقيين بين الإفراط والتفريط. (الحلقة الاولى )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net