صفحة الكاتب : محمد الحمّار

الداعية وجدي غنيم أمام محكمة الاجتهاد السليم
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اكتشفتُ منذ مدة أنّ من ناحية المبدأ كل ما يفكر فيه و يقرره المسلم هو من الشريعة. طالما أن الفكرة عموما وفكرة المسلم في ما يخصنا، إنتاج لغوي، إن بالقول أم بعدم القول. والمطلوب القيام به لتطبيق المبدأ هو أن يتعامل المسلم مع اللغة بحسب مواصفاتها الفطرية الولادية، علما وأنها مواصفات تحررية بامتياز.
لننظر إلى خطاب وجدي غنيم مثلا الذي أقام الدنيا في تونس مؤخرا. إنه خطاب لغوي وديني مفهوم، مع أنه يستبطن تطبيقات غير مفهومة، مما يحكم عليه بأنه غير مفهوم. فهو مفهوم لأنه صحيح لكنه غير مفهوم لأنه غير قابل للتطبيق. إنه صحيح حسبما يصفه علم الألسنيات من أنه من صنف "الأحلام الخضراء عديمة اللون (التي) تنام بشراسة" (ترجمة للمثال الذي يردده العالم الألسني نعوم تشمسكي). وهذه الصحة مفهومة بنائيا لكنها غير مفهومة دلاليا. 
 لنعُد إلى وجدي غنيم: ألم تلاحظوا الأريحية التي يؤكد بها هو وأشباهه وأنصاره على أنّ خطابهم صحيح؟ وفي المقابل ألم تتساءلوا لماذا الكثيرون منا يعتبرونه خاطئا؟ مَن منا صحيح ومن منا مخطئ إذن؟ هم أم نحن؟ في الحقيقة، الجمعان صحيحان لكن الأصح هو الذي سيوفر للجماعة المسلمة الفهمين الاثنين في الوقت نفسه: فهم الشكل والبنية مع فهم الدلالة، كما سنرى.
يقول غنيم "أليس كلنا يعلم أن شعر المرأة عورة؟". وكلامه هذا صحيح من حيث المعنى "الخارجي" بالمفهوم التشمسكي (المبكر)، وصحيح من حيث أنه متوازٍ مع "القدرة اللغوية"  بالمعنى التشمسكي(الجديد). ومن الممكن تسميتها "قدرة دينية" في المجال الذي نتناوله. لكن المشكلة أنه ليس صحيحا من الناحية التطبيقية: رغم علم غالبية النسوة بأن شعرهن عورة إلا أنّ ليست كل امرأة تقبل بتغطية رأسها. كما أنّ ليس كل زوج لامرأة رأسها عارِ يشترط أن تغطي رأسها لتستدام علاقته معها. وليست الفتاة أو المرأة عارية الرأس مهددة لا قدر الله بحرمانها من حقوقها الإنسانية و المدنية. إنّ التطبيقي، عبر هذه الوضعيات، ذو طبيعة تواصلية، لا شكلية أو بنائية. إذن يمكن القول إن الخطاب السلفي عموما وخطاب وجدي غنيم لا يمتلك ما يسمى، بالأدوات التشمسكية "القدرة التواصلية".
ويتسق هذا التمشي الألسني كليا مع  كلام العلماء، المفسرين بواسطة منهاج المقاصد، من أمثال الأستاذ محمد الطالبي و الشيخ عبد الفتاح مورو والشيخ محمد الطاهر بن عاشور قبلهما. فما سميناه "قدرة دينية" (بالتناظر مع "القدرة اللغوية") هو جملة الأحكام القرآنية الأصلية. أمّا ما سميناه (بالتطابق مع اللغة) "قدرة تواصلية"، فهو اعتماد أسباب النزول قديما والتفسير السياقي حاليا.
قد تنفعنا هذه الطريقة مستقبلا في أبعاد من أهمها أذكر: توسيع مجال التفسير وذلك بفتح آفاق تسمح بابتكار الأبعاد المتوازية بين الإسلام من جهة والعلوم المختلفة من جهة أخرى؛ نقل الاجتهاد شيئا فشيئا من بوتقة الديني الصرف إلى مجالات السياسة والاجتماع والاقتصاد وغيرها؛ توليد الرغبة لممارسة الاجتهاد الشخصي في مجال فقه الواقع شريطة أن يخوض الاجتهاد في الفروع لا في الأصول.
بالنهاية من الممكن إصدار حكم اجتهادي تجريبي على الداعية وجدي غنيم وعلى مروره بتونس، وذلك بالقول إنه قد يكون عالما نابغا في الدين وقد يكون متدينا مثاليا إلا أنّ خطابه غير متصل بالواقع.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/22



كتابة تعليق لموضوع : الداعية وجدي غنيم أمام محكمة الاجتهاد السليم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net