تأملات رجبية -٣-
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تحدثنا في الحلقة الثانية عن جزء من إحسان الخالق تجاه المخلوق، بعد بيان ما يتعلق بالمعرفتين في الحلقة الأولى وأهمية ذلك في بيان التكليف الإلهي وأدائه.
-١-
ننتقل في هذه الحلقة لبيان جزء من فضل الخالق على عباده وتجاوزه ورحمته، وهو إتمام للمقامات الإلهية الاثني عشر المباركة.
٩- وَرِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصَاكَ. ١٠- وَحِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ نَاوَاكَ. ١١- عَادَتُكَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيئِينَ.
١٢- وَسَبِيلُكَ الْإِبْقَاءُ عَلَى الْمُعْتَدِينَ.
فهذه المقامات الأربعة الخاتمة هي حقيقة لا تليق إلا بالخالق الغني الحميد المطلق، وأنَّ العبد المحتاج الفقير المطلق عليه أنْ يعترف بذلك أولًا، ويذعن لهذه الحقيقة آخرًا، من دون أنْ يخدع نفسه بما يملك من قوة مادية أو معنوية، أو يحاول الشيطان أنْ يوسوس له أنه يمكنه أنْ يقوم ما يشاء بما يملك من قوًى متعددة، وخصوصًا أيام شبابه، فإنها في الواقع نعمة من الله تعالى وعليه أنْ يؤدي حقها وشكرها.
-٢-
لقد كان الإنسان بصورة عامة يحاول جاهلًا أو جاحدًا أنْ ينسب القوة والعطاء والخير لنفسه من دون بيان مقام الخالق لذلك، بل يتعدى أكثر فيستخدم هذه النعم الإلهية في المعاصي المختلفة الظاهرة أو الباطنة؛ غرورًا واغترارًا بحلم الله تعالى في عقابه، فضلًا عن أنه تعالى يرزقه ما يشاء من جهة رحمته الواسعة بعباده عامة، أو من جهة تذكيره بهذه النعم المتوالية عليه لعله ينتبه إلى مصدرها، فيعترف بذلك ويؤوب إليه أو .. أو .. فهو بالتالي أرحم الراحمين، وهذا ما لا تجده في أي منعمٍ إلا في المنعم الحقيقي وهو (الله).
-٢-
ومن مقاماته الأخرى التي تبهر العقول في حساباتها المادية، وتخالف الطبيعة البشرية في التعاملات المعهودة بينهم، هو ذاك الحلم العظيم للخالق تجاه المخلوق الذي يأكل رزقه ويجحد الرازق، ويعترف بوجوده ويكفر بالموجِد، ويعصيه آناء الليل وأطراف النهار، ويعتدي على الحرمات، بل يتجرأ على الله بالمحرمات، والله تعالى يدعوه بحلمه ورأفته: ((وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى))، وهذا درس تربوي في التعامل مع الذين يعتدون على الآخرين بضرورة بيان آثار الاعتداء المعنوية على النفس الإنسانية، وتلويثها للفطرة السليمة، وتخلُّق المخلوق بالحلم ومكارم الإخلاق كما يريده الخالق له؛ كمالًا لهذه النفس؛ وارتقاءً بها نحو المعالي.
-٣-
ومن مقامات المعبود العظيمة التي لا يمكن أنْ يغفلها أحد وهي إعطاء الفرصة بعد الأخرى لعباده وإنْ كانوا من العصاة المعتدين على مقام المعبود تارة، وحقوق الآخرين تارة أخرى، فهو لا يقابلهم بالإساءة التي يستحقونها، أو العقوبة التي تكون رادعًا لهم، بل يفسح لهم الأمل بمراجعة النفس وتطهيرها من المعاصي وآثارها، فيبقى إحسانه عظيمًا عليهم، وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة وإنما بالإحسان هو من أعظم مكارم الأخلاق التي لا بد من التخلُّق بها للإنسان المؤمن عامة، وللمؤمن القدوة خاصة، الذي ينبغي عليه أنْ يضحي بنفسه من أجل الإحسان إلى الآخرين، وتعليمهم وإرشادهم وهدايتهم.
أخيرًا..
إنَّ هذه المقامات الأربعة هي من مكارم الأخلاق ومعاليها، ويجب على الإنسان السائر في طريق تكامله التأمل والتدبر، وترويض النفس عليها؛ ليكون أهلًا لأداء الرسالة الإلهية..
ونسألكم الدعاء
الأحد ١١ رجب ١٤٤٦هج
١٢-١-٢٠٢٥م
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat