صفحة الكاتب : خيري القروي

حكـايـــة مــــن عشرات الحكايات : امرأة عراقية بيتها "حواســـــم" ورزقها في مقبرة النفايات!!!
خيري القروي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في المنطقة الواقعة عند الطرف الشمالي الشرقي لمدينة بغداد (منطقة المعامل) تتكاثر التجمعات العشوائية، تنمو بسرعة عجيبة حتى تفرض نفسها كواقع يربك الدولة ولا تعرف كيف تتصرف ازاء هذا الواقع الجديد،  اذا ما ارادت المحافظة على التصميم الاساسي لمدينة بغداد عليها ان تقطع صلتها بالعواطف الانسانية وتمضي قدما في ازالة كل التجاوزات الحاصلة على التصميم الاساسي للعاصمة بغداد.
هل هذا ممكن؟‍ القانون ام مصير الفقراء؟
من اولى بالرعاية.. التصميم الاساسي لمدينة بغداد.. ام مشاعر الفقراء؟!! في واقع الامر، لا املك جوابا لمثل هذا السؤال.. ربما حتى الدولة لا تملك جوابا شافيا لذلك السؤال!!
اردت ان اجري تحقيقا عن احد التجمعات العشوائية في شمال بغداد، لكن موضوعا اخر غير موضوع (التجمعات العشوائية) جلب انتباهي وشدني اليه بقوة حتى اصبحت وكأنني اسيرا بين يديه. فتركت الموضوع الاول وجريت مشدوها وراء الموضوع الطارئ.
لقد رايت مجموعة كبيرة من النساء والرجال والاطفال وهم ينبشون النفايات في مواقع الطمر الصحي في منطقة المعامل..
وتساءلت مع نفسي: اية ظروف قاسية دفعت هؤلاء الناس للبحث عن لقمة عيشهم من بين ركام النفايات؟!!.
واختمرت في نفسي فكرة تقول: لاشك ان اغلب هؤلاء الناس هم من سكنة مناطق التجمعات العشوائية والتي جئت لإجراء تحقيق حولها..
كم ارملة في هذا التجمع النسائي؟!
وكم يتيم بين هؤلاء الاطفال؟!
وكم من عاطل عن العمل بين هؤلاء الرجال؟!
لو سألت واحدا من هؤلاء المتحلقين حول مقبرة النفايات لأشار لي الى احد التجمعات العشوائية في المنطقة.
ثمة مادة مهمة من مواد الموضوع الذي جئت للتحري عنه والبحث فيه.
ويممت وجهي تجاه هؤلاء الناس، حتى صرت قريبا منهم.
كانوا منهمكين في عملهم يبحثون عن اي شيء له ثمن ممكن ان يسد رمقهم ويملأ بطون اولادهم الخاوية.
شعرت بالحزن يهشم نيوط قلبي.. حزنت لهؤلاء الفقراء، كنت انظر اليهم، هؤلاء النباشون في مواقع الطمر الصحي ولا اكاد اميز بينهم وبين المواد التي يعملون بينها، ثمة تشابه غريب بينهم وبين البيئة التي يعتاشون عليها. وهذا شيء طبيعي جدا. اذ ان اصحاب الملابس النظيفة لا يقتربون من هذه الاماكن خوفا على نظافة ملابسهم، فكيف نريد من هؤلاء الناس ان يكونوا نظيفين وهم يعملون في مكتب النفايات؟!! شعرت بالخجل وانا اقترب منهم، ليس لأني رأيت نفسي في موقع اعلى، وهم في موقع ادنى.. بل لاني لا امتلك ارادة مثل ارادتهم بحيث انهم قادرون على انتزاع قوتهم حتى من النفايات التي يرميها الاغنياء في مناطق سكناهم!!!
الفقراء أسقطوا الطاغية
هؤلاء الناس لا يستسلمون لقدر فقرهم بسهولة.
ارادة هؤلاء الناس هي التي اسقطت الطاغية الذي بالغ في ظلمهم واذلالهم وحرمانهم من ثروات بلدهم. لكن السؤال المحير.. لماذا ظل هؤلاء على حالهم حتى بعد خمس سنوات على سقوط النظام البائد؟!!
تمنيت ان ألبس ملابسهم، واحمل ادوات عملهم، اتشبه بهم لكي اقترب من عالمهم لافهمه جيدا، واغوص بعيدا في واقع محنتهم بعد ان احاورهم كواحد منهم لكي اعرف ماذا يريدون، وكيف يفكرون، وبماذا يحلمون.. ما هو موقفهم من كل التحولات التي مر بها بلدهم العراق.
لابد من التماهي معهم اذا ما اردنا كتابة قصتهم مع انظمة حكم اهملتهم وهمشتهم ولم تنظر اليهم نظرة انسانية لا لذنب اقترفوه سوى انهم ضحية استبداد سياسي وتباين طبقي وظلم اجتماعي، او لانهم اولاد او احفاد ضحايا المقابر الجماعية والحروب العبثية، او لانهم احفاد الذين جاؤوا مع الجاموس الهندي ابان الاحتلال البريطاني للعراق على حد تعبير رئيس النظام السابق في مقالاته السيئة الصيت في جريدة الحزب الحاكم آنذاك.
عن اي شيء اتحدث اليهم حين اقترب منهم !! وانا الانسان صاحب الملابس النظيفة والورقة البيضاء والقلم؟!
عن الحرية والديمقراطية.. التي لم تغير واقعهم ولم تشبع بطونهم؟!!
عن حقوق الانسان.. وهم يسكنون في مقابر النفايات؟!!
عن الدستور الجديد والفقرة التي تقول: ان ثروة العراق لابناء العراق!!
عن قانون النفط والغاز.. وبيوتهم بلا نفط ولاغاز!!
عن انتخابات مجالس المحافظات وهم يقتاتون على النفايات!!
عن العراق الجديد وهم يسكنون في بيوت جدرانها من التنك!!
عن ضرورة عدم الخروج عن سلطة القانون، والسلطة لم توفر لهم الحد الادنى من متطلبات الحياة الانسانية!!
عن شبكة الحماية الاجتماعية التي صارت في معظمها من حصة الاغنياء والمرتشين والفاسدين وليس للفقراء منها نصيب الا النزر اليسير.
عن اي شيء اتحدث الى هؤلاء الفقراء الذين احرقت وجوههم الشمس وشوهت ملامحهم اوساخ النفايات. لو تحدثت بكل هذه الامور بدعوى اني انسان متحضر انتمي الى عصر الكمبيوتر والقرية الكونية، الا يكون حديثي لهم هو مجرد حديث (خرافة) لا احد يصدقني فيما اقول؟!!
لم أستطع الاقتراب منهم كثيرا
هؤلاء لم يحملوا سلاحهم ليقتلوا به الاغنياء الذين بخلوا بحق الله عليهم.
لم يعتدوا على اصحاب السيارات الفارهة والكروش المنبعجة من اكل المال الحرام، كل مافعلوه حينما حاصرهم الفقر واذلتهم الحاجة ان يبادروا الى مزابل الاغنياء لينتزعوا من بينها لقمة عيشهم!! كان بامكان الكثير منهم ان ينحرفوا عن جادة الانسانية ليحصلوا على الغنى باكثر من وسيلة ان يسرقوا ان يخطفوا ان يشكلوا عصابة لابتزاز الناس بقوة السلاح..
لم يفعلوا ذلك..
شدوا صخرة القناعة على بطونهم ورضوا برغيف يومهم حتى وان وجدوه من بين اكوام النفايات.
قصة أرملة وأربع بنات
مازلت اشعر بالخجل من الاقتراب من عالم هؤلاء الكادحين والتحدث اليهم وفي اخر الامر استطعت الالتقاء بامرأة عزلت نفسها عن بقية المجموعة امرأة بملامح حزينة ووجه عبثت بجماله يد الالام كثيراً.
لو عدت بهذه المرأة الى الوراء الى ايام عزها وشبابها لرسمت لها صورة جميلة صورة ممكن ان تجتذب شابا ليقع في شباك حبها من اول نظرة.
لكن معاناة الفقر وذلة الحاجة جففت زهرة جمالها!
خلف هذه الملامح التي غيرها الزمن الصعب لابد من وجود قصة! لكن كيف السبيل الى هذه القصة المختبئة وراء ملامح كالحة معفرة بالتراب؟
اين اجد مفتاح قلبها لكي تبوح لي بسرها وتسرد لي تفاصيل حكايتها؟ سلمت عليها بمودة بالغة ردت سلامي بحرارة نمت عن طيبة متأصلة في داخل نفسها ظلت تنظر الى بفضول.
ملامح وجهي لا تخيف احداً لكن وجودي في مثل هذا المكان ربما رأته شيئا غريبا لهذا توقفت عن مواصلة العمل وبدت مستعدة للاجابة عن اي استفسار
ـ اختي العزيزة ما الذي ارغمك على ممارسة هذا العمل؟
اطلقت من صدرها زفرة الم عميقة حتى ظننت بان روحها اوشكت ان تخرج معها وقالت بمرارة وحزن وهي تردد المثل العراقي المعروف : (اشجابك على المر الا الامر من عنده)
ـ الا يوجد لديك من يعمل ويوفر لك لقمة العيش الكريمة؟
ـ اني المعيل الوحيد لبناتي واولادي بعد ان مات ابوهم في السجن وحين اخبروني بموته لم يكن لدي ما اجهز به جنازته ولم اكن املك حتى اجرة الذهاب الى الطب العدلي ليتسلم جثته وكاد ان يقتلنا الجوع لولا وجود مواد الحصة التموينية التي تريد الدولة قطعها الان اضطرتني الظروف الصعبة الى البحث عن اي عمل ذلك افضل من مهنة التسول على قارعة الطريق العمل شرف حتى ولوكنا نبحث عن رزقنا بين اكوام النفايات.
ـ انت ارملة وقد خصصت الدولة رواتب للارامل والايتام والعاطلين عن العمل!!
ـ نحن في اطراف بغداد والمعاملة تحتاج الى وقت طويل والى مصاريف والى مراجعات كثيرة والى مال واني لا املك سوى قوت يومي والمبلغ الذي يعطونه للارملة ربما لا يغطي مصاريف الركض وراءها لسنة او اكثر وربما ضاعت المعاملة ولم احصل على شيء (وآني هم ماعندي واسطة غير الله!!)
ـ هل تتلقين مساعدات من اية جهة؟
ـ اهل الخير موجودون ولكن رحمة الله افضل من كل شيء.
ـ هل تملكين بيتاً للسكن؟
ـ بيت من الطين عملنا له سياج من القواطي والتنك!!
ـ البيت في منطقة سكنية ام على ارض متجاوز عليها؟
ـ تجاوزات ونحن خائفون من ان تأتي الحكومة وتأخذها منا الى اين نذهب حينئذ!!
ـ رحمة الله واسعة ياأختي كل ساعة وفيها فرج وقبل ان اغادر المكان قالت لي وكأنها تذكرت شيئا مهما:
ـ لم نأخذ (حصتنا من النفط) عن طريق (الحواسم) كما اخذها بعض الناس لاننا رأينا ذلك حراما فلماذا لا تعطينا الدولة حصتنا من النفط ونحن فقراء ولا نملك شيئا؟!!
سؤال وجيه ولكن على من نطرحه؟
ومن لديه صلاحية الاجابة على مثل هذا السؤال المهم؟
سمعت ان عدداً من النواب طرحوا مشروعا يقترح اعطاء حصة من ثروة النفط الى كل مواطن عراقي ولكني لم اسمع عن هذا المشروع بعد ذلك شيئا وكأن الذين طرحوه يشعرون بالخجل من طرحه رغم انه مطلب شعبي وحلم كل مواطن عراقي!!
لماذا لا نعطي العراقي حصة من نفط العراق؟
هذه المرأة العراقية الفقيرة تطالبنا بحصتها من ثروة النفط.
لماذا لا نعطيها حصتها لتصبح امرأة عراقية عزيزة لا تحني رأسها امام عاصفة الحاجة ولا تنكسر ارادتها امام ذلة الفقر .. ولا تجد نفسها مضطرة للبحث عن لقمة العيش وسط النفايات!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


خيري القروي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/12/16



كتابة تعليق لموضوع : حكـايـــة مــــن عشرات الحكايات : امرأة عراقية بيتها "حواســـــم" ورزقها في مقبرة النفايات!!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net