يفهم البعض كلمات المفكر نيقولا ميكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" علي سبيل الخطأ يعتقدون انها تمثل النموذج الامثل للانتهازية، لكن الذي يعيد قراءة كتاب الامير بهدوء يكتشف ان ما ذكره ميكيافيلي ينطبق علي الدولة ولا ينطبق علي الافراد، وان هناك حدودا لتطبيق هذا المبدأ الميكافيلي، وقد اسهب الراحل الدكتور احمد البغدادي في شرح هذا الالتباس في مقالته بعنوان "ميكيافيلي وقيم الدولة" اوضح ان الهدف هنا هو الحفاظ علي كينونة الدولة وحمايتها من الاعداء المتربصين لها وحب الشعب للحاكم ليس الهدف بل الهدف هو حماية الدولة، ولكن العديد من الافراد يطبقون نظرية ميكيافيلي تطبيقا خاطئا غير مفرقين بين ما يحق للافراد كافراد وما يحق للدولة، فهذه العينة من البشر يطلق عليها "الانتهازيون" اصحاب ايديولوجية "الغاية تبرر الوسيلة". والشخص الانتهازي يعرف بأنه شخص نرجسي لا يري سوي نفسه، ونفسه محور كل افعاله، ولديه استعداد فطري ليسخر الاخرين لتحقيق مآربه بلا ادني شعور بالذنب ذو قدرة غريبة علي التلون بكل الوان الطيف ليحقق ما يصبوا إليه بكل الطرق الشريفة وغير الشريفة، فالشخص الانتهازي ليس له مبدأ او دين، وهدفه الرئيسي تحقيق ذاته علي حساب الاخرين. والانتهازية مرض مزمن يصيب الافراد والجماعات بل الدول ايضا. فالانتهازيون منهم الموظف البسيط العادي والرئيس او الملك، والجماعات خاصة في حالة توحد ايديولوجيتها وتطابق اجندتها، فعلي سبيل المثال لا الحصر من مرضي الانتهازية. يوسر معتنقي الانتهازية الدينية جميع امكانياتهم من تسخير الغير لتحقيق مآربهم مستعينين بالطرق المشروعة وغير المشروعة، ولهم قدرة فائقة في التلون بكل الالوان فتجدهم مرة يتعاونون مع التيارات المختلفة لايديولوجيتهم الدينية ايضا من احزاب ونقابات وصحف بهدف تحقيق طموحاتهم السياسية، يتعاونون في الخفاء وعلنا احيانا كثيرة ايضا بهدف تحقيق رغبتهم وهو السطو علي الحكم مسخرين الدين والشعارات الرنانة لدغدغة مشاعر البسطاء من المواطنين رافعين شعار الديمقراطية والاصلاح الدستوري! ومصلحة المجمع والوطن.. "رغم تعارض شعارت الديمقراطي والاصلاح الدستوري لايديولوجيتهم وخطابهم الاعلامي سابقا" وحين ينالون هدفهم لن يفيق المجتمع من الكارثة ومثال دول الجوار واقع مرير وصورة قبيحة للانتهازية الدينية!! وصورة واضحة للانتهازية، فالأنظمة القمعية تتعاون مع الكل وتلعب بكل الاطياف السياسية بهدف ابقاء الحال كما هو عليه، فتارة تتعامل مع الاعداء والمجموعات الارهابية لتجديد قوانين تحد من الحريات لكي لا يعلو صوت غير صوت الطوارئ.. كما تقوم اجهزتها الامنية والدعائية بإجراء احصاء سياسي لشعبها ولدينا صورة واقعية من مصرنا الحبيبة عن اصحاب الانتهازية السياسية. الرئيس السادات باعث جماعات الاسلام السياسي تعاون منذ يومه الأول مع جماعات الاسلام السياسي الاخوان المسلمين والجهاد والسلفيين.. الخ "لضرب الحركات اليسارية" وفي عام 1980 غير الدستور المصري باضافة المادة الثانية لكسب جمهور الاسلام السياسي كما عدل في مدة الحكم لرئيس الجمهورية ليمكن نفسه من حكم مصر مدي الحياة فعدل الدستور كل ذلك بهدف بقائه علي كرسي الحكم مدي الحياة والقضاء علي المعارضين السياسيين علي حساب مصر والمنطقة بتقوية جماعات الاسلام السياسي والقضاء علي دولة المواطنة والحريات.
أخيراً إن منطقتنا الحزينة مملوءة بالانتهازيين اصحاب مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" غير مدركين ان نظرية الغاية تبرر الوسيلة تصلح للدولة ولا تصلح للأفراد وما ينطبق علي الدولة لا ينطبق علي الأفراد، فالانتهازية مرض نرجسي سادي يصاب بها كل من حول المريض وتكون الخسارة فادحة لو اصيب بها مسئول، اما اذا اصيب بها حاكم وديكتاتور فالنتيجة الخراب الشامل.
مدحت قلادة
كاتب مصري في جريدة الوفد
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat