صفحة الكاتب : كريم الانصاري

ومضة حيدرية
كريم الانصاري

نعم، نعود وتعود حكاية: عليٌّ والقرآن، عليٌّ والإسلام، عليٌّ والحقّ، عليٌّ والإنسانيّة، وجهان لعملة ربّانيّة، ليس إلّا تغايرات ٌمفهوميّة.

ولمّا هيمنت هذه الأشياء على حياة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) وأشبعت كلّ مفاصل سيرته المباركة بطرّ سكناتها وحركاتها، وأشغلته عمّا سواها، فإنّها قد ذابت فيه وذاب فيها.

ذلك لأنّنا نعتقد جازمين بالحجّة والدليل الرصين: أنّ وجوده الروحانيّ المقدّس (ع) ممتدٌّ ثابتٌ منذ القِدَم ومسجّلٌ في اللوح المحفوظ، لوح السماء المحروس بقدرة الله ذي العرش المتين.

حينما يكون وصيّ خاتم الأنبياء والمرسلين (ص) بهذه المحتويات والمضامين الألقة، بالخصائص والبركات الدافقة، المذعن بها المخالف قبل الموافق، والقاصي قبل الداني، فلا محلّ ولا وقت ولاوجود للاستعراض والتمثيل والتصنّع والتلوّن والرغبة في أفعال وأقوال وتقريرات مولى الموحّدين وقائد الغرّ المحجّلين (ع).

ما فعله عليّ وما قاله وما كتبه وما قرّره، لم يُلحَظ فيه إلّا ذلك الذوبان المشار إليه أعلاه، لحاظاً واضحاً شفّافاً جليّاً لا غبار ولا لبس فيه أبدا.

وحينما أخلص (ع) خلوصاً قدسيّاً راشحاً من تلك الطينة الإلهيّة والخزائن السماويّة الفيّاضة سناءً ونورانيّة، كان للخلود شرف الانضواء تحت قافلة المنازل والرُتَب التي رتّبها الله تبارك وتعالى له ولسائر المعصومين آل الدوحة النبويّة.

ومن ذلك الخلود: سرمديّة الكلمة التي نطقها ودوّنها يعسوب الدين (ع)، المفردة التي ما كانت من أجل سباق ألسني ولا نزاع لفظي ولا تمسرح لغوي ولا انتشاء معرفي ولا غرور فكري، إنّما كان يصدح وينمّق ما يستدعي الصدح والتنميق، ويفرض ما يفرضه الدين والقيم والمبادئ والضمير من وجوب إبداء الرأي والنصح والكشف والبيان والتحذير، إنّه الإدراك الوظيفي في أشمخ حالاته وأروع لوحاته، واضعاً منافع الرسالة الملكوتيّة والإنسانيّة في أرقى سلّم أولوياته واهتماماته، حتى رجّح ذلك الاعتزال والمكوث الذائع الصيت لمّا ارتأى مصلحة الإسلام والعباد تقتضي الإيثار والشكيمة، رغم الحقّ  السليب المنصوص  في دراية الغدير الشهيرة وما سواها من الحجج والبراهين الكبيرة.

وتناغماً مع بحث "سرمديّة كلمة عليّ " فالشريف الرضي (٤٠٦هـ) لمّا يعترف بأنّه لم يجمع من كلام وخطب ورسائل أمير المؤمنين (ع) إلّا ما اختاره منها في خالدته العملاقة المسمّاة " نهج البلاغة"، بلا استقصاء واستقراء، بل مجرّد اختيار وانتقاء. تجدك وجدانيّاً قبال تساؤل عريض: تُرى من أنت ياعلي؟

بلى، رغم "الاختيار" تلمس بوضوح وأنت القارئ المراجع المقارن المحلّل المتفحّص المستنتج: مُذهليّة إيمان عليّ، جماليّة إنسانيّته، نموذجيّة أناته، قدسيّة أنفاسه، طهارة روحه، صفاء ضميره، نقاوة حناياه، عمق رؤاه، شموليّة معارفه، إحاطة أفكاره، فذاذة عبقريّته، دقّة ملاحظاته، مصداقيّة إخباراته، مرارة آلامه، شدّة معاناته، دفء عطوفته، حرارة حنانه، رهافة أحاسيسه.

وأنت تخوض غمار "كلمة علي": تشعر أنّك إزاء كلامٍ هو فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، أنّك تخطو المسير القويم لفهم الدين والحياةوالقرآن الكريم الفهم السليم، أنّ الاعتقاد يعني : الحبّ والصدق والإخلاص والوفاء، أنّك من أين وفي أين وإلى أين ،  أنّك تطمح لو تؤمن وتناجي كما آمن وناجى عليّ: (( كفى بي عزّاً أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخراً أن تكون لي ربّا)).

تنادي وتقول: لا قدّس الله أُمّةً ظلمت عليّاً وآلَ عليّ، لا أثاب الله أناملاً خطّت ضدّهم الإغماط واللغط والغيّ، لا بارك الله ألسناً نطقت وأيدٍ عملت وأفكاراً سعت إلى إزاحتهم عن مراتبهم التي رتّبهم الله عليها منذ الأمد القصي.

تفخر وتشدو: إنّه عليّ بن أبي طالب وكفى ما في سيرته وخطبه ورسائله وحكمه الواصلة إلينا من حقائق ومعاني ألهبت القلوب وأذهلت العقول... من بناءات علميّة شاهقة وفضاءات معرفيّة مترامية وأبحر فكريّة موّارة غاصت فيها الأفهام لترتوي من معينها رؤىً أصيلة وبصائر عميقة، إلّا أنّها لازالت وستبقى تسبر الغور دون بلوغ التخوم البعيدة والأعماق السحيقة.

بالله عليك! بل اُقسم عليك بمن تعبد وتعتقد، لاتكن بالضرورة مسلماً ولا شيعيّاً ولا توحيديّاً، كن منصفاً فحسب، دع الأحاسيس والعواطف جانباً، كن عقلانيّاً منهجيّاً علميّاً معرفيّاً فحسب، فما الحصيلة يا ترى؟

ألا تشاركني الرأي فيما صدّرتُ وعرضتُ؟

وإن أشكلتَ عليَّ بقلّة البضاعة وتواضعها فمردّه إلى ضعفي وجهلي وعدم معرفتي بمَن لا يعرفه إلّا ربّ العباد وخاتم الأنبياء.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كريم الانصاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/07/06



كتابة تعليق لموضوع : ومضة حيدرية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net