صفحة الكاتب : د . عبد الحسين العطواني

تعثر الإصلاح ولـدً انقساماَ برلمانياَ وغضباَ شعبياَ
د . عبد الحسين العطواني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 الاختلاف في الرأي حول أي مسألة تتعلق بكيفية تنظيم الحياة السياسية أمر مشروع ويتوجب طرحه بشكل واضح , بل ويفترض مناقشته بحرية وموضوعية وبدرجة عالية من الأهمية , إلا أن هذا الاختلاف حينما يتحول إلى صراع ويجري في فراغ مطلق , بعيدا عما يعده المجتمع ثوابت وطنية , فهو انسياقا وراء الشعارات المضللة الداعية باسم الديمقراطية ويفضي إلى ممارسات الهيمنة التي تصب خارج المصلحة الوطنية , وترسيخ للمصالح الشخصية, وبالنتيجة لا تعود بأي فائدة نحو تطور الديمقراطية الحقيقية في البلاد . 
فالكتل السياسية عامل مهم ومحرك أساس للتغيير في المجتمع والنافذة التي ينظر إليها الشعب على أنها راعية للمسؤولية الاجتماعية والاقتصادية , فهي تستطيع أن تلعب دورا فاعلا في تأسيس ودعم مسيرة الإصلاح إذا ما توفرت الإرادة السياسية الهادفة والكفاءات المهنية اللازمة للقيام بهذا الدور , وبالتالي كسب البنية الوطنية التي تؤثر في مسيرة الشعب وتصوراته في أولويات الإحداث السياسية , غير أن عدم قيام الكتل بهذا الدور يعود إلى تهربها من تحمل مسؤولياتها الأساسية كممثلة للشعب , فعندما تعجز الكتل السياسية عن تقديم تصوراتها لعواقب هذه المواضيع وطرق معالجتها , يعني أن واقعها يشير إلى فقدان التوازن في علاقتها بثلاث قوى أساسية تفعل في هذا القطاع وتتفاعل معه وهي , المصلحة العامة , ومصلحة الدولة ومؤسساتها , ومصلحة القطاع الخاص , ما نراه اليوم في عمل البرلمان هو توازن مفقود بين المصلحة العامة ومصلحة القوى السياسية , وقد أدى فقدان هذا التوازن إلى عدم مقدرة المسؤولين , وبالتالي وضع خطط وسياسات ميتة على المصلحة العامة وتحول هذه الكتل إلى جماعات متنافرة الهوية والقيم , وانقسام سياسي واجتماعي , وإغفال الأمور المعيشية . 
فلابد للكتل السياسية أن تكون قريبة من الشعب , ولابد من إيجاد علاقة تأثير متبادلة بين الكتل وبين المواطنين بشكل عام من جهة , وبين رؤساء الكتل , وأعضائها من جهة أخرى , أما تحويل أعضاء الكتلة إلى كائنات خائفة وتابعة دوما إلى رئيسها , وبدلا من أن تنظم العلاقة على أساس حرية الرأي والاختيار , ضمن دولة العقد الاجتماعي المدني بينها وبين الشعب الذي انتخبها , تنظم العلاقة على أساس العقاب والثواب والهيمنة المرتبطة بدافع النفعية والمصلحية , ذلك يتنافى مع ثوابت الديمقراطية , فليس من المنطق والمألوف أن تسلك بعض الكتل طريق ما لتحقيق هدف معين , وتدعي التغيير وهي في زاوية من الضغوطات يجعلها مسلوبة الإرادة والقرار ولا رأي لها في المواصلة أو التنصل , عدا خطابات جاهزة لتبرير وشرعنة ما يؤمرون به , كتبرير المواصلة بالتغيير والاستجابة لمطالب الشعب , والتنصل والانسحاب بالمقاربة والوئام , بصرف النظر عن توافر القناعة من عدمها , ومن يحاول الخروج عن هذا المسار يجد نفسه في خانة التمرد ويتلقى العقاب , فإلى أي نوع من السلوك السياسي يرتقي هذا الخنوع , الم يعد اللعب بعقول الناس المتظاهرين والمعتصمين , وفقدان الثقة بسياسة ومصداقية الممثلين لهم . 
وعندما يحصل التصويت يكاد ينحصر على المواضيع المتفق عليها مسبقا , فأعضاء البرلمان فشلوا في القيام بدور الرقابة على المؤسسات السياسية والمصالح العامة وفي الدفاع عن حقوق المواطن الذي انصرف عنها , ولم ير فيها إلا أبواق سياسية متناثرة تفرق ولا توحد , وبتعبير أخر أن فقدان دور الرقيب على السلطة أدى إلى فشل البرلمان في أن يكون حافزا لتحسين أوضاع الناس والمساهمة بالدعوة التي تطور المجتمع وبناء الدولة العادلة والمواطن الصالح , فالكتل السياسية لا تقوم بدورها الأساس كممثل للشعب تدافع عن مكتسباته وتهتم بأموره , أو مقدرتها على ممارسة مسؤولياتها الشرعية , لذلك فشلت في صياغة قرارات ضاغطة وفاعلة تسهم في عملية الإصلاح . 
ففي توجه غير مسبوق تحولت معارضة حركة النواب المعتصمين في جلسة البرلمان يوم 26 نيسان 2016 في عرضها للأمور , من معارضة فكرية عامة إلى معارضة سياسية مباشرة لتزخر بالإثارة السياسية , وتعلن حضورا سياسيا وفكريا وإصلاحيا يتجاوز سقف الخطاب الإيديولوجي السياسي , وهذا هو أول اختراق فكري ثقافي سياسي على الرغم من إن إخفاقهم في اكتمال النصاب لايعني أن مطالبهم في الإصلاح تغيرت , أو تأثرت , صحيح أن الوضع السياسي عاد كما هو عليه وعادت الائتلافات أقوى من السابق وخفتت الأصوات المعارضة المعول عليها وصاحبة المشروع الإصلاحي, وغاب صوت الفكر الحر , ودعوة الإصلاح والتجديد , إلا أن هزات عنيفة قد تعرض لها البرلمان عن مفاهيمه التقليدية نتج عنها تمرير جزء ما أطلقوا عليه بكابينة ( الظرف المغلق ) .
لذلك فأن محاولات إصلاح النظام السياسي بعيدا عن قيود الكتل كان تطورا كبيرا , سعى إليه الأحرار بجرأة وقوة , بل ما يجب إدراكه أن المعتصمين حاولوا إحداث تعديلات في البناء السياسي لنظام الحكم عده البعض من أصحاب المصالح بأنه أمر يرتفع إلى مصاف التهور والجنون .
أما الشئ الأكثر أهمية هنا أن التصحيح الفكري وغربلة المفاهيم وتقديم رؤى فكرية سليمة كان هو الأجدر في ثمار الإصلاح المرتقب الذي انطلق من الفكر في معالجته وخطواته , وعلى كل حال فقد كشف مسار الإصلاح عن انحراف عقائدي وفساد فكري لدى البعض , لم يتوقع وجود ذلك عموم الناس المغطى عليهم بخطابات الاستمالة والتوافق المزيف الذي ألفوه , فقد كانت معركة بين العقيدة والانحراف , وبين الحكم المطلق والدستور , وهذا اتضح عندما تبين للجميع أن اغلب النواب رفضوا الدخول إلى جلسة البرلمان يوم السبت الماضي للتصويت على ما تبقى من الكابينة الوزارية , على الرغم من تواجدهم , لتنكشف لعبتهم التي انتهت بعدم الاتفاق على تقسيم الغنائم , إلا أن المعتصمين أدركوا ذلك وحصل ما حصل , استمرار الحراك والغضب الشعبي الذي قد ينذر بحراك عام لا يصب في مصلحة البلد, ومن ثم يصعب السيطرة عليه , لاسيما ونحن في توتر سياسي ينذر بالخطر .
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الحسين العطواني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/05



كتابة تعليق لموضوع : تعثر الإصلاح ولـدً انقساماَ برلمانياَ وغضباَ شعبياَ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net