الدولة الصفوية والخطر الأفغاني
د . عبد الهادي الطهمازي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عبد الهادي الطهمازي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يعتبر سكان مدينة قندهار الأفغانية من أكثر الناس تعصبا للمذهب، ومن أكثر المناطق ميلا للعنف ضد الطوائف الإسلامية الأخرى، ولا زالت كذلك فهي الآن مركز حركة طالبان المتطرفة، وتنظيم القاعدة الإرهابي.
ولقد كانت الدولة الصفوية في عداء وحروب مستمرة مع ثلاث دول، الأوزبك في الشمال، ودولة المغول في الهند شرقا، والعثمانيين في الغرب، لكن كل هذه الدول بقوتها وعظمتها لم تستطع أن تحقق ما حققه الأفغان في تمردهم على الدولة الصفوية، حتى سقطت العاصمة أصفهان بأيدي المتمردين الأفغان.
في أواخر حكم سليمان شاه بن عباس الثاني المتوفى سنة 1694م، وبداية حكم ولده سلطان حسين بدأت القلاقل في قندهار، فشنت القبائل الأفغانية والبلوش عددا من الهجمات على جنوب إيران، زعزعت الأمن وأفقدت الدولة قدرتها على معالجة هذه الخروق الأمنية.
فاستعانت بقائد يسمى جورجين كان أخوه خسرو خان من القادة في البلاط الصفوي، فتمكن هذا الرجل من إعادة الأمن المفقود وبسط السيطرة على المدينة مرة أخرى.
وقام جورجين بإبعاد أحد الأثرياء والوجهاء المتنفذين الأفغان واسمه مير ويس الى العاصمة أصفهان.
استغل مير ويس فرصة وجوده في العاصمة، فرغم أنه من الأعداء وكان مراقبا بشكل جيد إلا أنه استطاع أن يوطد علاقاته ببعض القادة المتنافسين على المناصب، وشرع يثير الأحقاد في العاصمة على حاكم قندهار جورجين، ويتهمه بالتواطئ مع الحكم المغولي في الهند، وقد وجد أذنا صاغية من بعض القادة، وأخذ يتقرب ويتزلف للسلطات حتى تمكن من توطيد علاقته بالشاه سلطان حسين نفسه.
وتمكن مير ويس من الحصول على أذن من الشاه للذهاب الى مكة لأداء مناسك الحج، وهناك أتصل بعدد كبير من الفقهاء المعبأين طائفيا، فتمكن من استصدار عشرات الفتوى التكفيرية والتي توجب الحرب ضد الشيعة، وقتلهم ونهب أموالهم وأسر نسائهم وأطفالهم.
عاد مير ويس من الحج محملا بالهدايا للشاه وأقطاب الدولة، فتعززت مكانته في البلاط، وأخذ الشاه نفسه يستشيره في بعض الأمور.
إن من الجهالة والحمق أن يطمئن الإنسان للعدو، مهما تلبس العدو بأثواب الأصدقاء، وقدَّم المغريات، لكن بعض السذج يتخدع بالشعارات والمظاهر المزيفة فيحسب العدو صديقا والصديق عدوا.
طلب مير ويس الأذن من الشاه بزيارة قندهار، فوافق الشاه على الطلب، ولم تمر مدة طويلة على وصوله الى قندهار حتى تمكن من استدراج الحاكم جورجين الى خارج المدينة، وقتله هناك وعاد لاستلام الحكم فيها وإعلان التمرد والثورة.
وقرأ تلك الفتاوى على الناس فتضخمت دعوته، ووقف الرأي العام الى جانبه، وسك النقود باسمه واستقل بحكم قندهار سنة 1121هـ-1709م.
وقد تحطمت كل الهجمات التي شنها الجيش الصفوي لاستعادة المدينة، ورغم الحصار الذي دام خمسة أشهر تمكن مير ويس من شن هجوم عنيف قتل فيه قائد الجيش الصفوي خسرو خان، وتشتت جيشه، فسقطت إثر ذلك مدينة هرات، وتقدم الأفغان بسرعة لاحتلال مشهد المقدسة، وحاصروها أربعين يوما لكن لم يتمكن الأفغان من احتلالها فتوجهوا الى نيسابور، فقتلوا ونهبوا وأسروا الكثير من أهلها.
توفي مير ويس سنة 1129هـ-1717م، وخلفه أخوه على الحكم، لكن ما لبث أن قام ابنه محمود بن مير ويس بقتل عمه وقيادة الأفغان للحرب.
وبعد ثلاث سنوات قام بالهجوم على كرمان جنوب شرق إيران فسقطت المدينة في قبضته سنة 1132هـ،
فأرسل الشاه الصفوي قوة بقيادة لطف علي الداغستاني لتحرير المدينة، ففر محمود الأفغاني مخليا المدينة، لكن مؤامرة قذرة حيكت ضد هذا القائد فقام الشاه بقتله وقتل أخيه الوزير فتح علي، فعادت الفوضى الى البلاد، وهاجم محمود كرمان مرة أخرى في العام التالي، فاستولى عليها وأخذ يزحف تجاه المدن الأخرى، يطويها واحدة بعد الأخرى.
حتى وصل الى العاصمة أصفهان أوائل سنة 1135هـ فخرجت جموع من القزلباش والمتطوعين لصد الهجوم، وجرت وقعة بين الطرفين في قرية تسمى (جلون آباد) وتمكن المدافعون من صد الغزاة، لكن الأفغان أصروا على النصر لأنهم كانوا يعرفون أنهم إذا خسروا فإنهم سيخسرون كل شيء، فأوقعوا هزيمة نكراء بالمدافعين عن العاصمة، واستولوا على تجهيزات كبيرة.
وقام محمود بحصار المدينة بعد أن قطع الجسور الواقعة على نهر (زاينده رود).
وبعد ثمانية اشهر من الحصار الشديد، اضطرت فيه السكان لأكل الأبل والخيل، بسبب نفاذ المواد الغذائية من الأسواق والبيوت، لم يجد الشاه الصفوي سلطان حسين من حلٍّ سوى فتح أبواب المدينة للغزاة.
ولم يرتكب محمود الأفغاني مذبحة في المدينة على عادة الغزاة، بل عمد الى عرض الإمدادات الغذائية في الأسواق، وعم الهدوء المدينة فعاد الناس الى بيوتهم.
بقيت أصفهان بيد الأفغان مدة خمسة عشر سنة، حيث لمع نجم نادر شاه الأفشاري، فدخل في سلسلة معارك كثيرة مع الأفغان، فتمكن من تحرير أغلب المدن الإيرانية، ثم قام بتحرير العاصمة أصفهان سنة 1729م -1150هـ وأعاد إليها الشاه طهماسب الثاني ليتربع على عرش أجداده من جديد.
ثم طارد نادر بقية فلول الأفغان، فاشتبك معهم عند مدينة شيراز، وتمكن من إلقاء القبض على ملكهم أشرف بن محمود الأفغاني وقتله، وبذلك انتهت دولة الأفغان في إيران.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat